بقلم: روجر التمان
الجانب الذى كان يشد انتباه العالم حيال تعافى اقتصاد الولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الماضية، هو ضعف نموه عندما أطاحت رياح عاتية ناجمة عن الازمة المالية العالمية فى عام 2008 بالاقتصاد الامريكى، والحقت هذه الرياح ضرراً بالغا بالموارد المالية للاسر والاقراض والعقارات التى نمت خلال الربع الأخير بمعدل سنوى بقدر ضئيل بنحو 1.7%، وبالتالى، حال هذا النمو الضئيل دون مشاهدة سوق العمل أى تحسن واتضح جليا فى انخفاض نسبة القوى العاملة التى سجلت ادنى مستوياتها منذ ثلاثين عاما، وبدأت تلك الرياح العاتية تحد من وطأتها ولكن قد تستغرق اربع سنوات اخرى حتى تهدأ تماما.
وعندما يحدث ذلك، من الممكن ان يفاجئنا اقتصاد الولايات المتحدة ويقلب العالم رأسا على عقب، فقد يؤدى انتعاش سوق العقارات والثورة التى تشهدها الطاقة وتجديد النظام المصرفى وقاعدة صناعية أقوى إلى نمو الاقتصاد الأمريكى بمعدل يفوق 2.5% أى أن المجاعة قد تتبعها وليمة.
وتشير خمسة عوامل إلى امكانية ارتفاع موجة اقتصاد واشنطن، اولا: ما يشهده قطاع الاسكان من تحسن مستمر، خاصة أن هذا القطاع كان يشكل نحو 4.5% من اجمالى الناتج المحلى فى المتوسط خلال الفترة بين 1980 و2005، كما وظف اكثر من 3 ملايين أمريكى، ولكن فى عام 2012 شكل قطاع الإسكان 2.4% فقط من اجمالى الناتج المحلى ووفر مليونى فرصة عمل فقط، ومازال هناك نحو 1.5 مليون عقار تحت الرهن العقاري.
لكن بوادر انتعاش قطاع الإسكان بدأت تلوح فى الافق، حيث أخذت الأسعار فى الارتفاع فى ما يقرب من نصف أسواق العقارات الرئيسية بالدولة، ويتوقع بنك «جولد مان ساكس» أن يحقق متوسط سعر الوحدة نحو 1.4 مليون دولار بحلول عام 2015 مقارنة بـ700 ألف دولار هذا العام.
والسبب الثانى لهذا التفاؤل هو الزيادة المذهلة فى انتاج الغاز والبترول، وتذهب البيانات التى اصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن انتاج الغاز الطبيعى بلغ أعلى مستوياته هذا العام، وبالنسبة للبترول، ارتفع معدل انتاج الولايات المتحدة بنحو 20% من عام 2008 إلى عام 2012.
وانه فى غضون خمس سنوات، من المرجح أن تضيف أرباح البترول أكثر من 1% إلى النمو السنوى لاجمالى الناتج المحلى وتوفر اكثر من 3 ملايين وظيفة، كما ان انخفاض اسعار الغاز الطبيعى يقلل من فاتورة استهلاك الأسر من الكهرباء بنحو 1000 دولار سنويا، وسيجدد ايضا من نشاط الولايات المتحدة فى صناعة البتروكيماويات وبعض قطاعات الصناعات التحويلية.
والسبب الثالث هو انه وسط هذا الجدل السياسى، الذى تشهده الولايات المتحدة، تعافى القطاع المصرفى بصورة أسرع من تلك التى جاءت فى مخيلة أى شخص، حيث عادت السيولة ورأس المال إلى معدلات لم ترها بنوك واشنطن منذ عقود، وبدأت مشاكل الرهن العقارى تتلاشى، كما أن الأرباح قوية جداً والاقراض ينمو بصورة سريعة.
فيما يتمثل السبب الرابع للتفاؤل بمستقبل الاقتصاد الأمريكى، أن الولايات المتحدة حققت قفزة هائلة فى القدرة التنافسية الصناعية، حيث انخفضت تكاليف الانتاج بنحو 11% خلال العشر سنوات الماضية فى حين ارتفعت فى معظم الدول المتقدمة الأخرى، كما ارتفعت نسبة المدخرات الشخصية إلى 4% بعد ان اقتربت من الصفر قبيل الازمة، مما سيؤدى إلى ارتفاع معدلات الاستثمار الخاص وزيادة الانتاجية.
أما السبب الخامس، فإنه قد تفاجيء الولايات المتحدة نفسها والعالم وتتمكن من تصحيح مسار عجز الموازنة ومشاكل الديون، فقد يضع اعادة انتخاب باراك اوباما حدا لخفض الضرائب التى كان قد اقرها جورج بوش بنهاية عام 2012، وقد تدفع هذه الخطوة الكونجرس إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لاعداد برنامج متوازن لخفض العجز من شأنه أن يعزز الثقة فى اقتصاد واشنطن وسوق الأوراق المالية والاستثمارات الخاصة.
قد يتحدى العديد من كبار خبراء الاقتصاد تلك النظرية الجياشة، حيث انهم يتوقعوا عقداً آخر من الرياح العاتية ومعدلات نمو متوسطة، فهذه هى موجة التوقعات السائدة حالياً، ولكننا نستطيع القول بأن هناك سيناريو أفضل فى طريقه الينا.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق