الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

العلاقات المصرية السعودية فى الميزان

لندن ـ 'القدس العربي' من خالد الشامي:
فشلت القمة المصرية ـ السعودية التي شهدتها مدينة جدة الجمعة الماضي في تخفيف التوتر الذي تصاعد بين القاهرة والرياض مؤخرا على خلفية قضية جلد الطبيبين المصريين في السعودية.
وبالرغم من اهداء العاهل السعودي عبّارتين بلغت قيمة كل منهما 90 مليون دولار للحكومة المصرية، فان قضية الطبيبين، رغم تجميد عقوبة الجلد بعد تلقيهما لوجبة اولى من الـ 1500 جلدة التي تضمنها الحكم، تبقي تحسن العلاقات مؤجلا الى اشعار آخر.
وقال مصدر دبلوماسي عربي ان الرياض ابلغت القاهرة بأن التهدئة الاعلامية ضرورية لكي تجد قضية الطبيبين الحل المناسب، حيث لا تريد الحكومة السعودية ان تبدو وكأنها استجابت لحملة الانتقادات القاسية التي تعرضت لها في الاعلام المصري، والتي شاركت فيها صحف وقنوات تلفزيونية حكومية، ما يعكس حصولها على ضوء اخضر من القيادة المصرية التي كانت عادة ما تمنع اي انتقادات للرياض في الاعلام الرسمي.
وجنحت بعض وسائل الاعلام الى التهدئة خلال الايام الماضية بعد القمة.
ومن الممكن ان يكون اللقاء تمهيدا الى قرار باعفاء الطبيبين من عقوبة الجلد مع تخفيف الحكم بالسجن، خاصة بعد ان تدخل الامير سلمان بن عبد العزيز شخصيا لاعادة عاملات مصريات الى بلدهن اثر تعرضهن لسوء المعاملة في السعودية الاسبوع الماضي، ما يعكس رغبة لدى القيادة السعودية في عدم السماح بتصاعد التوتر بين البلدين.
وكان العاهل السعودي تدخل بالعفو عن المدانين في عدد من القضايا، آخرها قضية اغتصاب فتاة في السعودية. وجاء قرار العفو بعد تصريحات للرئيس الامريكي جورج بوش اعرب فيها عن 'ثقته في ان العاهل السعودي سيتخذ القرار الصحيح'.
واضاف المصدر الدبلوماسي ان الرياض تخشى من ان تصاعد التوتر الحالي مع القاهرة قد يدفعها الى اعادة النظر في علاقاتها المقطوعة مع دمشق وطهران، خاصة ان الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما اعلن انه سيفتح حوارا مباشرا مع العاصمتين.
واشار الى ان لقاء الزعيمين المصري والسعودي جاء متأخرا بالنظر الى تصاعد التوتر خلال الشهور الماضية، كما انه بدا احتفاليا وموجها الى وسائل الاعلام بشكل خاص بهدف اصلاح صورة العلاقات لكن دون مناقشة المشاكل الجوهرية التي ادت للتوتر اصلا.
و اضاف ان التعقيدات في العلاقات المصرية ـ السعودية تبقى اكبر من قضية الطبيبين. فالحكومة المصرية ترى ان اصرار الرياض على الانفراد في قيادة عجلة التطبيع العربي مع اسرائيل في اطار مبادرة السلام العربية، يمثل التفافا على الدور التقليدي للقاهرة كبوابة للسلام في المنطقة.
وشهد مؤتمر حوار الاديان الذي انعقد في مقر الامم المتحدة مؤخرا خطوة جديدة على طريق التطبيع، عندما تمكن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس من توجيه كلمات علنية مباشرة الى العاهل السعودي اثناء خطابه في مقر الجمعية العامة، واختار الرئيس المصري مقاطعة المؤتمر رغم توجيه الدعوة اليه رسميا للمشاركة.
واعتبر مراقبون ان العلاقات الصعبة بين الزعيمين تعود الى قمة بيروت العربية في العام 2002 حينما اعتمد الزعماء مبادرة السلام السعودية كمبادرة سلام عربية. وكان غياب مبارك غير المعتاد عن تلك القمة العربية رسالة استياء من تجاهل السعودية لمصر في التحضير تلك المبادرة، بينما شعر السعوديون بالاستياء من غيابه عن قمة كانت مخصصة لدعم مبادرتهم، وكان زعيمهم هو 'نجمها' الاول.
واستمر الفتور في العلاقات بين الزعيمين واضحا، حيث قام العاهل السعودي بزيارة العديد من الدول العربية والاسيوية والاوروبية قبل ان يزور مصر بعد توليه العرش رسميا خلفا للملك فهد.
ثم بدا غياب التنسيق واضحا عندما اعلنت وسائل الاعلام السعودية العام الماضي عن عزم الملك عبد الله وضع حجر الاساس لمشروع جسر يربط مدينة شرم الشيخ بالاراضي السعودية، ما دفع الرئاسة المصرية لاصدار بيان مفاجئ وغير مألوف يعلن 'عدم سماح مصر باقامة الجسر' لاسباب امنية واقتصادية.
ورغم ان القاهرة والرياض شكلتا العمود الفقري في ما سمي بـ'محور الاعتدال' بالمنطقة، الا انه كونهما ليسا على مسافة متساوية من الادارة الامريكية ساهم في توتير العلاقات. وبدا هذا واضحا عندما اختار الرئيس الامريكي ان تكون السعودية محطته العربية الاولى في آخر جولاته بالمنطقة، حيث استمرت زيارته عدة ايام قلده خلالها الملك عبد الله اعلى وسام ملكي، واصطحبه الى رقصة العرضة التقليدية الشهيرة، بينما لم تستغرق زيارته لمصر سوى اربع ساعات، ولم تزد فيها مباحثاته مع مبارك عن عشرين دقيقة.
ويبقى سؤالا مفتوحا ان كانت الدبلوماسية المصرية ستنجح في استثمار التوتر الحالي مع الرياض لتحقيق شروط سياسية واقتصادية افضل تسمح باعادة العلاقات الثنائية لمسارها الطبيعي، خاصة ان الاقتصاد المصري،حسبما اعلن الرئيس مبارك، تنتظره ايام صعبة بسبب الازمة المالية العالمية. كما ان السعودية التي توظف اكثر من مليون مصري يوفرون نحو مليار ونصف المليار دولار سنويا للخزينة الحكومية تبقى اهم سوق للعمالة المصرية في الخارج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق