|
قش الأرز ثروة قومية يمكن أن يساهم فى حل مشكلة الورق |
الوفد - مصطفي عبيد: للمرة الألف لسنا ضد الخصخصة كأداة لتحقيق الاقتصاد الحر، ولسنا ضد البيع حتي للأجانب. ونحن نذكر بإعلان وزارة الاستثمار المتطور بأن ما يتم مع شركات قطاع الأعمال العام هو إدارة الأصول المملوكة للدولة ومن ضمنها البيع أو إقامة المشروعات الجديدة أو الدخول في شراكات أو الاستجابة لأي أفكار من شأنها تحسين أوضاع الشركات أو إعادة هيكلتها فنيا وإداريا وعماليا. وبشكل عام يمكن القول إن هناك أصولاً وقواعد وحسابات غير حسابات السيولة النقدية والسعر الأعلي.
أتحدث عن شركة راكتا لصناعة الورق والكرتون والمعروضة حاليا للبيع باعتبارها من الشركات محدودة الأرباح. المعلومات المتاحة عن الشركة تقول انها تأسست عام 1958 وتستحوذ الشركة القابضة للصناعات الكيماوية علي 81% من ملكيتها، وتمتلك مؤسسات حكومية 12% منها بينما يمتلك القطاع الخاص أسهماً بنسبة 7%. وطبقا لأرقام عام 2006/2007 بلغت إيرادات الشركة 150 مليون جنيه وبلغ صافي أرباحها نحو 6.2 مليون جنيه فقط!!
ولا شك أن مثل هذه الأرقام المتواضعة، فضلا عن ضعف جودة انتاج الشركة ووجود مشاكل بيئية فيها دفع الحكومة الي التخلص منها وعرضها للبيع وذلك حرصا علي سيولة نقدية تتحقق ويمكن استخدامها في إصلاح شركات أخري. وغالبا ما تخضع عملية البيع للمزاد بمعني أن من يدفع أكثر يفوز بالشركة المعروضة للبيع وهو ما لا يجوز في هذه الشركة تحديدا.
القصة يمكن تلخيصها في أن شركة »راكتا« هي الشركة الوحيدة المؤهلة لتنفيذ أول مشروع قومي لتحويل قش الأرز الي ثروة كبيرة. هاني قسيس عضو غرفة التجارة الأمريكية وواحد من كبار مصدري المنتجات الورقية والمكتبية الي السوق الأمريكي كشف تفاصيل الكنز الغائب في شركة »راكتا« والذي سيتم إهداره في عملية بيع تقليدية لا تنظر إلي المردود الاجتماعي والبيئي.
يحكي الرجل أنه تلقي في نوفمبر الماضي طلب استيراد من واحدة من كبري الشركات الأمريكية العاملة في تسويق وتجارة المنتجات المدرسية والمكتبية. لقد اعتاد علي هذه الطلبات خاصة انه يهدر سنويا ما قيمته 30 مليون دولار كشاكيل وكراسات ومنتجات مكتبية إلي أمريكا وأوروبا. لكن هذه المرة كان طلب الشركة الأمريكية توريد نحو 70 ألف طن منتجات ورقية بما يبلغ نحو 100 مليون دولار.
ذهب المصدر إلي مصنع الورق الأكبر: شركة قنا. إن إجمالي انتاجها من الورق يبلغ 120 ألف طن سنويا ولا تغطي هذه الكمية 10% من استهلاك مصر من الورق. ويبلغ إجمالي انتاج الشركات المنتجة للورق نحو 20% فقط من الاستهلاك الإجمالي، وهو ما يعني أن الاستفادة من العرض التصديري تتطلب استيراد الورق من الخارج وهي قصة بالغة الصعوبة، كما أنه لا يمكن التأكد من مستوي جودة الورق. في ذلك الوقت اكتشفت الشركة الباحثة عن الورق بالتعاون مع مركز تحديث الصناعة كنزاً مهملاً في شركة »راكتا«.
أوراق الدراسة تقول إن »راكتا« هي الوحيدة التي لديها مصنع للب يمكنه تحويل قش الأرز الي ورق.. وتقول أيضا إن مصر لديها ثروة قومية مهدرة من قش الأرز تبلغ نحو 5.4 مليون طن سنويا. كيف يتم التعامل مع تلك الثروة حاليا؟ الإجابة: انظروا إلي السحابة السوداء لتعرفوا. الدراسة تشير إلي أن الـ5.4 مليون مليون طن يمكن أن ينتج عنها مليون طن ورق سنويا أي ما يعادل خمسة أضعاف انتاج مصر الحالي، وهو ما يعني أن مصر لن تحتاج الي استيراد ورق من الخارج. والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا لم تقم الدولة بذلك؟ ولماذا تم إغلاق المصنع الخاص بانتاج لب الورق من قش الأرز منذ ستة أشهر؟. إن وزارة الاستثمار تقول انها اغلقت المصنع لاعتبارات بيئية حيث تؤدي عملية التصنيع الي مخلفات ضارة عبارة عن سائل أسود.
وتقول الدراسة المذكورة انه يمكن علاج مشكلة السائل الأسود لو تم 30 مليون دولار، ويمكن تطوير الشركة تماما وجعلها قادرة علي استيعاب كامل انتاج قش الأرز لو تم انفاق 50 مليون دولار عليها. وبحساب التكلفة الحالية يحتاج إنشاء مصنع ورق لانتاج مليون طن سنويا لأكثر من نصف مليار دولار.
ان بيع المصنع لمستثمر أجنبي قد يعني تطوير الماكينات والعمال داخل المصنع.. لكنه بالضرورة لن يضع في حساباته حل مشكلة السحابة السوداء والحفاظ علي البيئة، والاستغلال الأمثل لثروة قومية مهدرة هي قش الأرز. قد يكون المهندس عادل الموزي رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية حريصاً علي بيع شركة »راكتا« بسعر عادل، لكنه لا شك انه لا يضع في اعتباره أن هناك ثروة قومية مهدرة، وأن مصر لديها فرص جيدة لتصدير المنتجات الورقية الي الأسواق العالمية لكن معظم تلك الفرص تضيع بسبب عدم كفاية الخام الرئيسي وهو الورق.
إن هاني قسيس المشارك في الدراسة المثيرة لا تعنيه ملكية المشروع، ولا يشترط أن يخصص له، لكنه ـ يطالب كما قال لي ـ بتبني الدولة لمثل هذا المشروع القومي. لقد شاهدت قبل سنوات عرضاً لإحدي الشركات اليابانية حول فرص استغلال قش الأرز وكيفية الاستفادة منه وتحويله الي منتجات ورق، وبدائل أخشاب وعلف ومواد كيماوية. ووقتها قدم العرض لغرفة صناعة الحبوب وقدرت التكاليف المبدئية للمشروع ـ في ذلك الوقت ـ بمليار جنيه وبالطبع لم يجد تحمسا من الدولة والقطاع الخاص.
وكان أن استمرت السحابة السوداء تغطي سماءنا الوسيعة وأهدرت طاقات عظيمة وثروات هائلة وفرص عمل عديدة ومتنوعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق