|
ولأنها حكومة ذكية، فهي قررت الانطلاق من القرية إياها منعا للقيل والقال، وإذا قيل لها حكومة قليلة الحيلة جاءت بأطول الرجال، وإذا قيل إنها حكومة مرتعدة، فإنها تطلب من رجالها علي الفور تربية الشوارب والتخفي وراءها .. ولأنها حكومة متقدمة، تلعب باليورو، وتتسلي بالدولار .. فقد قررت ان تقدم اقتراحا ينسي الناس أحداث المحلة ويشغلها بجدل مثير وكلام كثير، يدخل السعادة علي النفوس ويترك الجميع حياري لحل الألغاز.
إذا قال لها الرئيس حلي مشكلة المحلة يا حكومة، ذهبت بقضها وقضيضها، رجالا ونساء، رئيس وزراء ومرءوسين، ونجحت في إطفاء الفتنة في المحلة وأشعلتها في كل ربوع مصر بلا استثناء. وإذا قيل لها حاصري تيار الإخوان قامت علي الفور بمنعه هو وغيره من الترشيح، بدلا من وجع الدماغ والحديث عن تزوير الانتخابات. وإذا قيل لها افتحي الطريق أمام المعارضة ليكون لها نصيب قامت علي الفور بتزوير الانتخابات وإنجاح قوائم الحزب ثم التضحية ببعض رجالها لدعم العملية السياسية وإدخال بعض مرشحي المعارضة ليفوزوا بدلا منهم وكأنها تضحي من أجل نمو العمل السياسي بعيدا عن اللف والدوران.
مؤخرا قررت الحكومة اتخاذ الخطوة الجبارة التي انتظرتها الجماهير، قررت اقامة محافظتين ليصبح العدد ثمانية وعشرين.
قرر الدكتور نظيف عرض الأمر علي الرئيس قبيل حركة المحافظين بقليل، ذهب وفي جعبته ملفات مكدسة مجموعة وريقات أقرب إلي المراجع في زمن البيزنطيين .. بادر علي الفور: اني اعرض عليك قنبلة سياسية يا سيادة الرئيس، أتقدم باقتراح إقامة محافظتين جديدتين هدية من سيادتك للجماهير.
سأل الرئيس: هل أجريتم الدراسات الكافية علي ذلك؟
فرد الدكتور نظيف علي الفور: بالقطع يا سيادة الرئيس. لقد شكلنا لجانا تفرعت عنها لجان، درست وبحثت واجرت معاينة ميدانية ولم يبق سوي اتخاذ القرار.
سأل الرئيس: وماذا عن الإمكانات والمقارٌ والكوادر؟ هل كل شيء جاهز؟
فرد الدكتور نظيف: يافندم دي كلها حاجات صغيرة، خلصنا منها من زمان، وعلي فكرة القرار ده يا سيادة الرئيس هيعمل شعبية كبيرة لأن الناس في حلوان وأكتوبر ينتظرونه بفارغ الصبر.
- الرئيس: المهم مصلحة الناس يا دكتور.
> د. نظيف: طبعا يا فندم، احنا عملنا محافظة حلوان وحنضم ليها بعض المناطق المحتاجة للخدمات، أما ٦ أكتوبر فهي إن شاء الله حتشيل الحمل من علي الجيزة وحنضم لها الريف كله.
- الرئيس: أنا باسأل تاني يا دكتور نظيف، كله تمام، أنا موش عاوز الناس تزعل من حاجة.
> د. نظيف: يا فندم كله مدروس والناس حتسعد جدا بالقرار.
وفجأة أعلن القرار، تساءل الناس: حلوان وفهمنا، ولكن لماذا ٦ أكتوبر؟ ألم يكن من الأجدي تحويل الأقصر إلي محافظة مثلا؟
بعد قليل عرف الناس تفاصيل القرار، أبناء الصف وأطفيح وجدوا أنفسهم فجأة 'فيومية' بعد أن كانوا منذ قليل 'جيزاوية'، هذا ليس مهما، لكن الحيرة تملكتهم عندما راحوا يتساءلون: 'ودنك منين يا جحا' يفصل بيننا وبين حلوان كيلومترات معدودة، أبناؤنا يعملون بمصانع حلوان، مصالحنا كلها هناك، فكيف يتم إلحاقنا بالفيوم علي بعد ٠٦١ كيلو مترا، أي أن أبناء الصف وأطفيح لابد أن يمروا عبر طريق رأس الرجاء الصالح مرورا بحلوان حتي يصلوا إلي الفيوم.
ثار الناس وثار النواب، ورفعوا اليافطات وأصبحنا أمام أزمة كبري، وقبيل أن تفيق الحكومة من وقائع هذه الورطة، كان أبناء الواحات يقطعون الطريق السريع ويخرجون علي الفضائيات ليسألوا إذا كنا قد رضينا بنزع انتمائنا الجيزاوي، فهل يعقل أن نصبح بين يوم وليلة 'منياوية'؟ وهل يعقل إذا أردنا الذهاب لاستخراج بطاقة أو ورقة رسمية نقطع ٠٠٧ كيلومتر من الواحات إلي المنيا، كان الأجدي أن نلحق بمحافظة أكتوبر.
وهكذا قبيل أن تفيق الحكومة من أزمة الصف وأطفيح وجدت نفسها أمام أزمة جديدة فاضطرت، غير آسفة، إلي أن تعيد رفع الأمر إلي الرئيس الذي تدخل علي الفور وعدل القرار الجمهوري للمرة الثانية.
ظنت الحكومة أن الأمر قد استقر، وأن حالة الغضب قد انتهت، غير أنها فوجئت بنص دستوري ينص علي أن مقر المحكمة الدستورية العليا هو 'مدينة القاهرة' ومادام مقر المحكمة الدستورية يقع بجوار مستشفي المعادي العسكري، ومادامت المعادي أصبحت ضمن حدود محافظة حلوان، إذن الأمر فيه مشكلة.
إذن فجأة وجد الدكتور نظيف نفسه أمام مأزق جديد، ويبدو أنه قد ظن أن مؤامرة قد حيكت له لإحراجه أمام الجميع، خاصة أنه كثيرا ما يتباهي بأن حكومته إلكترونية، تتحرك بالكمبيوتر وتستقي معلوماتها 'لايف' من النت، غير أن بعض من أشفقوا عليه قالوا له بهدوء: 'بسيطة يا دكتور' الدستور بيقول: مدينة القاهرة خلاص احنا نعتبرها محافظة القاهرة وممكن نوسع كلمة محافظة القاهرة الكبري ونخليها تضم حلوان كمان، وهذا أفضل الحلول لمواجهة المأزق الراهن حتي لا نحرج أمام الرئيس.
غير أن الرئيس الرئيس أدرك اللعبة ورفض المخطط بعد أن استمع إلي مستشاريه القانونيين الذين قالوا :إن ذلك الاقتراح يدفع إلي البطلان فالدستور واضح وصريح وهو قال: 'مدينة القاهرة وليس محافظة القاهرة الكبري أو الصغري'.
في هذا الوقت اتخذ قرار بضم المعادي إلي القاهرة خاصة أن كثيرين منهم استاءوا مثلهم مثل أبناء التجمع الخامس وملحقاته من أن يجري ضمهم تحت اسم 'محافظة حلوان' باعتبار أنها محافظة عشوائية وملوثة ودمها تقيل!! والمعادي فيها ناس هاي، وأجانب ودبلوماسيين. تحركت القوي المحمولة جوا وبرا وبحرا كل يريد الفكاك من حلوان وسنينها، الاتصالات والخطوط الساخنة اشتغلت، لأ إحنا ولاد القاهرة وحرام تودونا حلوان، بل هناك من زحف للعودة إلي استخراج بطاقات من الدقي والمهندسين ومدينة نصر ووسط البلد، وهكذا اتفق الجميع علي فصل المعادي عن محافظة حلوان الجديدة، إلا أن الرئيس مبارك طلب إعادة دراسة الأمر جيدا.
وتحرك فريق من المخططين والمهندسين والاستراتيجيين وبتوع الحكومة الإلكترونية، ووصلوا في وقت مبكر من الصباح وشاهدوا بأم أعينهم مبني المحكمة الدستورية وتأملوا الطريق الفاصل بينه وبين مستشفي القوات المسلحة بالمعادي وقالوا: إذن من هنا تبدأ الحدود، إذن فلتبق المعادي ضمن حدود محافظة حلوان ولنبحث عن وسيلة تضمن عودة المحكمة الدستورية إلي حدود القاهرة.
قالوا: إذن نضم شياختين من البساتين بحيث تبدو الحدود مستقيمة، غير أنهم أدركوا أن ذلك يعني لخبطة انتخابية للدائرة ونوابها، احتاروا في الأمر غير أنهم قرروا عقد اجتماع يوم الثلاثاء القادم لاتخاذ قرار ربما يفضي إلي عودة البساتين كاملة إلي حدود القاهرة من جديد، وهكذا سوف يموت ابناء المعادي حسرة لأن أبناءالبساتين عادوا للقاهرة بينما بهوات المعادي ظلت تبعيتهم لمحافظة حلوان!!
هذا عن الحدود، أما عن تنفيذ القرار، فعليك أن تعلم يا عزيزي القارئ أنه حتي الآن ورغم مضيٌ اكثر من اسبوع علي صدور القرار الجمهوري فإن محافظة حلوان لا تضم سوي موظف واحد هو السيد المحافظ، ومحافظة اكتوبر ليس بها سوي موظف واحد هو السيد المحافظ، أما بقية الهيئات والمديريات والاختام والدفاتر، فعليك ان تنتظر لشهور وسنوات.
في المقابل، كنا نظن - وبعض الظن اثم - أن السادة المخططين بتوع التكنولوجيا قد وفروا علي الأقل مقرا للمحافظة أو حتي لمدير الأمن، غير أنها نسيت في غمرة الدراسات التي استمرت لسنوات، فبحث السيد محافظ حلوان عن مقر له فلم يجد، فطلب من رئيس حي المعادي أن يسمح له بمكتب لحين ميسرة، وكذلك الحال فعل السيد محافظ 6 أكتوبر فقد 'استلف' هو الآخر غرفة في مقر الجهاز، لا توجد سكرتارية ولا تليفونات ولا حتي سيارة خاصة تنقل السيد المحافظ وتطلق السرينة وقت الزحام، بل ولا يوجد حتي مجرد دفتر حضور وانصراف والغريب في كل ذلك انهم تركوا الناس تضرب اخماس في اسداس: يا تري أين سيكون مقر الديوان العام للمحافظة؟ في حلوان جري صراع عنيف بين فريق التجمع الخامس وملاعب الجولف فقد أراد المحافظة إلي جواره لأنه يتأفف من الذهاب إلي حلوان، بل ان هذا الفريق اعترض علي إلحاقه بمحافظة اسمها حلوان وطلب ان تسمي المحافظة 'القاهرة الجديدة' او حتي محافظة 'الشروق'.
لأن اسم 'حلوان' يسيء اليهم ويظهرهم بالتوحش والعشوائية والفقر المدقع، وده عيب ولا يصح كما أن سياراتهم ستتعرض للتكسير وربما للخطف اذا ما فكرت في الذهاب إلي هناك.
وهكذا يستمر الصراع الطبقي والجغرافي والقبلي والانتخابي، والقانوني، والديموجرافي، لنصبح امام ازمة جديدة خلقتها لنا حكومة 'النت'.
الغريب في الأمر أن الحكومة لا تخجل، ولا تعترف بخطئها بل إنها تخرج وبكل تحدي لتقول: 'كفوا عن اللغط والحديث، هذا القرار كان نتيجة دراسات عميقة استمرت لسنوات'.
وأنا اسأل هنا: 'طيب ماذا لو كان القرار قد تم بدون دراسات'؟ الإجابة تقول: كانت الحكومة ستلحق حلوان بأسوان وأكتوبر بمحافظة دمياط.
اذن عليكم ان تحمدوا الله علي ما أنتم فيه، ذلك ان دراسات الحكومة أنقذتكم من مصير لايعلمه إلا الله، فقد كان من الممكن ان نتعدي الحدود ويجري إلحاقنا بموزمبيق، لولا أن الله ستر، ومنحنا في هذا الوقت حكومة واعية، وفاهمة، ودارسة .. سيادة الرئيس.. هل سألت لماذا العجلة في القرار؟ هل سألت: لماذا ٦ أكتوبر في هذا التوقيت؟ .. ارجوك اطلب الملف وابحث في التفاصيل وساعتها ستكتشف العجب العجاب.
وكم من الاخطاء يحمٌلونها لك وللنظام يا سيادة الرئيس، وبعد كل ذلك نسأل: لماذا يغضب الناس؟! لقد اكلنا لحم الحمير وخرج رئيس الهيئة البيطرية وقال ده لحمه عسل وطعمه زي السكر المهم يكون الحمار مدبوح حيٌ ومسلوخ كويس ثم بحثنا عن رغيف الخبز وأصبح الطريق إلي مدغشقر أقرب من فرن العيش.
ثم جاءوا بعد ذلك واجروا عملية فك وتركيب وتركوا ملايين المواطنين حياري ، امام السؤال الكبير: يا تري احنا ولاد مين بالضبط؟.
سيادة الرئيس لو تركت هذه الحكومة فغدا قد نجد انفسنا نستخرج شهادة الميلاد من أمريكا اللاتينية ونعمل في موريتانيا ومقابرنا في جزر القمر!!
سيادة الرئيس نحملك أمانة ما تبقي من العقول وكل عام وسيادتكم بخير وكل عام وحكومتنا 'عسل' واحنا اللي 'بصل'!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق