السبت، 5 يوليو 2008

مخاوف أمريكية من صناديق الثروة الخليجية


تقرير واشنطن- حنان سليمان

تصاعد الجدل في الآونة الأخيرة داخل دوائر صنع القرار الأمريكي حول تركز مصادر الثروة بعيداً عن الولايات المتحدة والعالم المتقدم، وهو ما رأي فيه ريتشارد هاس في مقالته المنشورة بعدد مايو/يونيو 2008 من مجلة الشئون الخارجية (Foreign Affairs) أنه بداية عالم عديم الأقطاب (The Age Of Nonpolarity)، ومن الدول التي تتركز فيها مصادر الثروة السيادية الدول الخليجية المعروفة بعدم نشاطها المؤثر في النظام المالي العالمي، وذلك في ظل تخوف الكثيرين من تزايد سطوتها وممتلكاتها بما يمكنها من التحكم في النظام المالي الأمريكي واستخدامها كأدوات للضغط السياسي في المستقبل. وهذا كان محور مقالة أعدها دانييل دريزنر Daniel Drezner الأستاذ المساعد للسياسات العالمية بكلية فليتشر Fletcher School والمعنونة بـ "السيادات قادمة The Sovereigns Are Coming" بمجلة "The American" لعددها عن شهري مايو/يونيو 2008.

ويؤكد وزير الخزانة الأمريكي "هنري بولسون" الذي كتب مثالا في مجلة "ذا ناشونال" الأمريكية قبل زيارة مقررة الى الإمارات ودول أخرى في الشرق الأوسط في مطلع يونيو 2008 أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانعزال عن الاقتصاد العالمي، ولهذا ستبقى أسواقها مفتوحة للاستثمارات من الشركات الخاصة وصناديق الثروة السيادية Sovereign Wealth Funds.

وتعرف صناديق الثروة السيادية بأنها مجموعة أصول مملوكة للدولة تدخل في استثمارات بارزة باقتصاديات العالم، ويصل حجمها الحالي إلى 3.3 تريليون دولار. وقد أنشأت روسيا والصين صناديق جديدة عام 2007 فيما تشير تقارير صحفية إلى أن السعودية واليابان سيؤسسان صناديقهما الخاصة في العام الحالي (2008).

تحدى وليس خطر
ولما كانت هذه الصناديق الاستثمارية الحكومية لا تمثل ظاهرة جديدة، إذ يرجع تاريخ نشأة أول صندوق للثروة السيادية إلى عام 1953، وهو هيئة الاستثمار الكويتية، ولذا فإن هذه الصناديق لا تُمثل خطرا جديدا طرأ فجأة ليهدد الأمن القومي الأمريكي أو المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بل تُعد إحدى التحديات التي يواجهها النظام المالي والاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين.

لكن الجديد هو أنه مع تضاعف حجم سوق رأس المال العالمي خلال الخمس سنوات الماضية ازدادت ممتلكات صناديق الثروة السيادية ثلاثة أضعاف على الأقل. وقد وصل إجمالي قيمة هذه الصناديق في دول الخليج الستة إلى نحو 1.5 تريليون دولار في أواخر عام 2007، فيما يُتوقع أن تصل قيمة هذه الصناديق إلى 3 تريليون دولار بحلول عام 2010 في حال استمرار ارتفاع أسعار النفط بصورة قياسية.

ويعكس هذا النمو في الصناديق استمرار الارتفاع في أسعار المواد الغذائية وعدم التوازن على الساحة العالمية أكثر منه زيادة في التنوع العالمي في محافظ الأوراق المالية.

مصدر هذا التخوف الأمريكي والغربي عموماً من احتمال استخدام هذه الكيانات المدعومة حكوميا في العالم الناشئ أذرعها المالية للسيطرة علي أصول إستراتيجية يرجع إلى سببين: أولهما، القلق من أن تسيء حكومات الخليج إدارة الاستثمارات العالمية، وتُحدث عمليات فساد في هذه الاستثمارات. وثانيهما، دخول هذه الصناديق اللعبة السياسية لتحقيق أهداف تتماشى مع المصالح العربية بشكل يهدد الأمن القومي الأمريكي خاصة مع استثمار هذه الصناديق في مؤسسات مالية كبرى مثل "بلاك ستون Blackstone" و"يو بى اس UBS" و"ميريل لينش Merrill Lynch" و"مورجان ستانلى Morgan Stanley" و"سيتى Citi".

وترى حكومات بعض الدول الغربية أن المعادلة ليست متوازنة بين كيانات أجنبية - عربية مدعومة حكومياً لا تتأثر كثيراً بقوي السوق المحلية وبين شركات غربية منافسة تؤثر وتتأثر بهذه السوق الغربية.

ولا تعتبر الولايات المتحدة نفسها خارج سوق إدارة الثروات السيادية، فحتى بعد استبعاد ممتلكاتها المتواضعة في احتياطيات النقد الأجنبي فإن حجم الأصول الدولية لصناديق الثروة السيادية الأمريكية يصل إلى 800 مليار دولار معظمها في شكل صناديق المعاشات الفيدرالية والمحلية. أي أنها تأتى في المرتبة الثانية بعد الإمارات بالنسبة لامتلاك الأصول العالمية، حيث يُقدر حجم استثمارات هيئة الاستثمار الإماراتية بـ 875 مليار دولار.

ويُعد صندوق هيئة الاستثمار الكويتي أحد أكبر صناديق الثروة السيادية بالعالم بأصول تصل إلي 250 مليون دولار، وله شهرة عالمية في أسواق المال الغربية؛ لأنه من أقدم الصناديق السيادية التي عملت بالقارة الأوروبية؛ إذ بدأ عمله في لندن عام 1953.

مستقبل واعد ينتظر الخليج
ويتوقع المحلل الاقتصادي ستيفن جن Stephen Jen بمؤسسة مورجان ستانلى المالية Morgan Stanley أن يصل حجم أصول صناديق الثروة السيادية في العالم إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2015، ليصبح مثل إجمالي الناتج القومي الأمريكي الحالى. وبشكل عام فإن استطلاعات الرأي تُؤكد أن الأمريكيين يناصبون العداء لفكرة الملكية الأجنبية للشركات الأمريكية.

وعلى الرغم من أن قيمة صناديق الثروة السيادية الخليجية تعتبر كبيرة، إلا أنه عند مقارنتها بإجمالي قيمة رأس مال الأسهم والسندات المدرجة على قوائم الأسواق العالمية والتي تزيد على 100 تريليون دولار، يتضح أن هذه الصناديق لا تُساهم بشكل كبير في سوق المال العالمي.

ويرى دانيال Daniel أن الدول الخليجية تهدف من إنشاء هذه الصناديق خلق أصول تدر عائدا مربحا طويل الأجل؛ للمساهمة في التنمية الاقتصادية والتركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر.

وحول هذه القضية التي أصبحت الشغل الشاغل لرجال الاقتصاد الأمريكيين، أدلى الباحث الاقتصادي ادوين أم ترومان بمعهد بيترسون للاقتصاد العالمي بشهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي في الحادي والعشرين من مايو الماضي متحدثا عن قصة صعود صناديق الثروة السيادية وتأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية ومصالحها الاقتصادية.

واعتبر أن سعى صناديق الثروة السيادية المملوكة لحكومات أجنبية وراء شراء حصص كبيرة في المؤسسات المالية الأمريكية الخاصة يُعد استثناء للقاعدة التي تعمل بها هذه الصناديق وليس الأساس. وعلى عكس الخوف الشائع من الصناديق الخليجية وجد ترومان أن مصدر القلق في الوقت الحالي يأتي من الصين والبرازيل اللتان تستخدمان صناديقهما واستثماراتهما لتوسيع كياناتهما الاقتصادية.

وكانت معظم صناديق الثروة السيادية الخليجية في الفترة التي سبقت عام 2003- أي قبل ارتفاع أسعار النفط لهذه المستويات غير المسبوقة - تبحث عن استثمارات قصيرة الأمد ومنخفضة المخاطر، بينما تتجه هذه الصناديق في الوقت الحالي إلى استثمارات طويلة الأمد ومحفوفة بالمخاطر، وذلك بهدف زيادة عائدات الاستثمارات.

وقلل ترومان في حديثه أمام الكونجرس من خطر هذه الصناديق التى اعتبر استثماراتها لا تختلف عن أي استثمارات أخرى سوى في الحجم. ورأى أنه يتعين على واشنطن الاستمرار في الضغط على الدول التي تملك هذه الصناديق؛ لتبنى أفضل معايير للممارسات لتعزيز قيم الشفافية والمحاسبة بما يصب في صالح السياسة الخارجية الأمريكية، ولأن سوء إدارة هذه الاستثمارات قد يؤدى إلى عدم استقرار سياسي واقتصادي في الدول مالكة هذه الصناديق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق