الاثنين، 28 يوليو 2008

حكم مفاجئ بتبرئة ممدوح إسماعيل مالك عبارة الموت ومجموعة المتهمين معه


جمال سلطان : بتاريخ 28 - 7 - 2008

عندما اتصل بي أحد الأصدقاء ينبهني إلى صدور حكم مفاجئ بتبرئة ممدوح إسماعيل مالك عبارة الموت ومجموعة المتهمين معه لم أصدق الخبر ، قلت له على الفور : مستحيل ، قال : في مصر لا يوجد مستحيل ، كل شيئ جائز افتح قناة الجزيرة واتفرج ، بالفعل فتحت التليفزيون على فضائية الجزيرة لأستمع إلى نشرة الأخبار ، كان الخبر الأول وكانت صور أهالي الضحايا ونحيبهم وعويلهم وذهولهم تجعل القلب يتقطع وتجبر الدمع على مغالبة العين ، كان بعض الأهالي الغاضبين يصرخون أمام الكاميرات قائلين : اشتروه ! ، وهي ثورة غضب غير حصيف بالطبع ، وربما مرارة الإحساس بالظلم دفعهم إلى الخطأ ، ويبدو أنه من كثرة ما يقرأ المصريون هذه الأيام عن وقائع شراء الذمم سرت في خيالهم انطباعات أصبحت راسخة أصبحوا معها على قناعة بأن هناك من يبيع وهناك من يشتري في أي شيئ ، وكل شيئ ، وللأمانة فلم يكن أهالي الضحايا وحدهم وإنما شاع في أوساط النخبة والصحفيين أن ممدوح إسماعيل دفع ملايين خلال العامين الأخيرين لصحف وأقلام ومحامين وغيرهم من أجل تهيئة الرأي العام لبراءته ، كان واثقا من أن ظهره بخير ، وربما كانت بعض وقائع قضية ممدوح اسماعيل وبداياتها مثيرة للقلق وغير مريحة للكثيرين في مصر ، لم يفلح أحد في مصر في الحصول على إجابة عن طبيعة العلاقة بين ممدوح إسماعيل ومؤسسة الرئاسة ، وخاصة مع الرجل القوي فيها زكريا عزمي ، الذي اتهم صراحة عقب وقوع الكارثة بأنه شريك لممدوح إسماعيل في عباراته ، لكن الرجل نفى بعد وقت ليس بالقصير وتحدث عن أنه "صديق" لممدوح إسماعيل دون أن نفهم تاريخ هذه الصدامة وأبعادها ، ولم يجب أحد على سبب إصرار مجلس الشورى على حماية ممدوح اسماعيل ورفضه رفع الحصانة عنه عقب الكارثة والاتهامات والتحقيقات وآلاف الضحايا ، حتى تمكن من الخروج آمنا من مصر ، وبعد أن اطمأنوا إلى أنه هناك في بريطانيا بخير صدر قرار رفع الحصانة عنه ، وهو قرار لا قيمة له من الناحية العملية ، طبعا الرجل فسر خروجه إلى بريطانيا على أنه للعلاج ، لأن صحته انهارت فجأة ، ومنذ أكثر من عامين وهو يتلقى العلاج هناك ويبعث بالعلاج لآخرين هنا في مصر ، والمؤكد أن صحته لن تنصلح حتى يطمئن إلى أنه في الأمان ، وكل شيئ تم ترتيبه ، أيضا عقب وقوع الكارثة وتناثر الاتهامات والتقارير والاعترافات حتى من وزراء ومسؤولين عن ثبوت الأخطاء والفضائح في تجهيزات العبارة وشروط الأمان فيها ، فاجأ النائب العام السابق الرأي العام ببيان برأ فيه ـ مبكرا جدا ـ عبارة ممدوح اسماعيل من أي عيب ، وأكد على أن كل شيئ فيها تمام التمام وعلى أعلى مستوى من السلامة والأمان ، غير أن حظه العاثر أن مجلس الشعب شكل لجنة من خبراء الهندسة وصناعة السفن عاينت العبارة ودرست كل ما فيها ، فاكتشفت أنها تقريبا معدومة الأمان ، وذكرت أكثر من ثمانية أو تسعة أسباب خطيرة للغاية ، الواحد منها فقط كاف لحدوث كارثة ، واستغرب الناس وقتها ، هل كان النائب العام يتحدث عن عبارة أخرى في بنما مثلا ، أم أنه يقصد نفس هذه العبارة ، عبارة ممدوح اسماعيل ، وما هو سر هذه الحماسة والسرعة التي دفعت النائب العام إلى تبرئة عاجلة وشاملة لممدوح اسماعيل ، المهم أن اللغط انتشر ووصل إلى حد الاتهامات للنيابة العامة ، الأمر الذي اضطر القيادة السياسية إلى إصدار قرار هادئ بعزل النائب العام ونقله إلى المحكمة الدستورية ، ثم بدأت القضية تدخل في دهاليز عجيبة ، لدرجة أن هناك قيادات سياسية وصحافيين وآخرين تم اتهامهم بعد ذلك في قضايا أخرى ـ بإيعاز سلطوي ـ تم حسم قضاياهم في القضاء خلال شهر أو أقل قليلا ، بينما تمددت قضية ممدوح اسماعيل إلى أكثر من سنتين لمرمطة الأهالي وإذلالهم "كعب داير" من أنحاء مصر إلى البحر الأحمر أكثر من عشرين مرة ، ثم انتهى الأمر إلى البراءة الكاملة لممدوح وعصابته ، أعرف أن الحكم ابتدائي وأن هناك استئناف ، ولكني على يقين من أن صدور الحكم "الابتدائي" بهذه الكيفية وتلك الحيثيات قد أرسل رسالة بالغة السوء إلى البسطاء والغلابة في بر مصر ، وأخشى أن يكون قد ترسخ لدى هؤلاء بأن بلادهم تتحول الآن إلى "غابة" .
gamal@almesryoon.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق