وائل نوارة يكتب: أقوي رجل في المحروسة
المصرى اليوم : ما مظاهر القوة؟ هي أن تستطيع أن تفرض إرادتك رغماً عن الجميع، فنحن لا نتحدث هنا عن القوة البدنية أو فنون الملاكمة أو الكونج فو أو كمال الأجسام، ولكننا نرصد القدرة الخارقة لشخص واحد استطاع أن يفرض سلطته المطلقة وإرادته المنفردة علي جميع شنبات وطرح وحفاضات أهالي المحروسة لأسباب لا يعلمها أحد.
أقوي رجل في المحروسة ليس هو الرئيس الرسمي للدولة، وليس مهدي عاكف رئيس الدولة الموازية، وليس رئيس الوزراء أو رئيس المخابرات أو وزير الحربية أو حتي وزير الداخلية أو رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، أقوي رجل في مصر هو القيصر، سلطاته فوق سلطات الحكومة ومجلس الشعب ومجلس الشوري ومجلس الوزراء، كل هذه المجالس تخضع لمشيئته وتعمل في خدمته، تفصل قوانين غسيل الأموال
وقوانين «منع الاحتكار» علي مقاسه وحسب مزاجه الخاص، ورغم أن تلك القوانين لا تلزمه ولا تسري عليه، ولم تطبق عليه، ولن تطبق عليه، بل تطبق فقط علي عينة انتقائية من صبيانه ومنافسيه، ومع ذلك، فقد رفض أن تقع رقبته تحت حد القانون رغم أنه يعلم أن رقبته مصفحة بقوته ولن تضار منه.
ورغماً عن الحكومة، ووزير التجارة، الذي غاب حسرات عن الجلسة، أقر المجلس القانون حسب مزاج القيصر وطبقاً لمشيئته، وخرجت الصحف تحمل صوره وهو يقف كالفوهرر يستعرض رعاياه من أعضاء المجلس، يكاد يخرج لسانه لسبعين مليون مصري لا يحبونه، ليقول لهم هذا اللسان، موتوا بغيظكم، قاعد علي قلبكم، طظ فيكم كلكم، لأنني أنا الذي أصنع قوانينكم وأتحكم في مصيركم!
كيف أصبح شخصاً «يتهمه الرأي العام بالاحتكار»، هو المسؤول عن صياغة قانون «منع» الاحتكار في «البرلمان»؟ وأي برلمان يكون هذا؟ كيف أصبح من يتهمه الرأي العام بالاستيلاء علي أحد أهم أصول الدولة بسعر بخس وبأسلوب يفتقر للشفافية، هو المسؤول عن الصياغة النهائية،
لقوانين غسيل الأموال؟ ألم يتراء لأولي الأمر أن هذا قد يدخل في باب تضارب المصالح لا قدر الله؟ أي قوة وجبروت، بل أي بث سيريالي خيالي، يجعل مثل هذه اللامنطقيات العبثية حقائق واقعية؟
هو منطق القوة التي هي فوق العدل. منطق السلطة التي هي فوق الشعب، منطق الفساد الذي استشري حتي أصبحت الكتابة عنه تصيب المعارضين بالخجل.
ولكن، كيف أصبح هذا الرجل أقوي رجل في مصر؟ هل يمول «الحزب» ويصرف عليه من جيبه الخاص مائة ألف جنيه كل طلعة شمس؟ هل يسدد رواتب شهرية لعدة آلاف من رؤساء اللجان القاعدية بما يمكنه من وضعهم في جيبه الصغير، جيب الفكة، وبالتالي يسيطر علي نتيجة أية انتخابات قادمة علي أي مستوي؟ هل يجامل القريب والبعيد بالهدايا والعطايا والمجوهرات والقصور؟
هل يتسع جيبه لكل هذه المصاريف المتلتلة؟ ومن أين أتي هذا الاتساع؟ هل أتي من عبقرية متجردة واختراعات متجددة، أم من احتكارات متفردة واستحواذات متعددة؟ كيف سمح له شيوخ البلد وعمدتها بتلك الاحتكارات التي مكنته من أن يتحكم فيهم ويصبح أكثر قوة منهم؟ هل لأنهم يحتاجون مثله لواجهة أمامية وقناة سيفونية لهم؟
وما العمل الآن إذا كانت قوته قد تنامت لتعلو فوق قوتهم، وأصبحت إرادته أقوي من إرادتهم؟ هل يستطيعون الصدام معه؟ بالتأكيد هناك الكثير من الملفات وأوراق اللعب في جعبته، فهو ليس بساذج أو عبيط، لقد ظنوا أن طموحاته مادية بحتة، ولكنهم لم ينتبهوا إلي أنه يريد كل شيء، يريد السلطة المطلقة، والثروة المتنامية، يريد العز والنفوذ الصيت والغني ومن هنا اكتسب لقب «القيصر».
وفي ظل هذه الفوضي وهذا الغموض السياسي الذي نعيشه، قد لا نستطيع أن نمنع مثله من أن يعتلي الكراسي، أو أن يصبح الرأس السياسي، للنظام الأساسي، ولكن من باب المواءمة ألا يتعين عليه أن يكتفي من الكنز بالأربعين ملياراً، ويعتزل الكار، ويبيع الأحكار، ويتفرغ لجمع الأنصار استعدادا لمعركة الاختيار؟
هذه هي أسئلتي المفروسة، لأقوي رجل في المحروسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق