الدستور : لم يكن يتصور أحد أن جبروته وقوته وسطوته تصل به إلي هذا الحد - بعمل زواج بين السلطة ورأس المال - الذي يمكنه من أن يعدل القوانين المقدمة من الحكومة إلي مجلس الشعب رغما عنها في خلال 48 ساعة فقط، وكأنه فوق الجميع يفصل قانون المنافسة ومنع الاحتكار علي مقاسه، لا يهمه وزير الصناعة والتجارة الذي قدم القانون وغاب عن مناقشاته في جلسات مجلس الشعب لأسباب يعلمها الجميع، ويعرفون أن عز أخرج لسانه للجميع حكومة ونواب معارضة وكأنه يقول لهم: أنا الامبراطور وكلامي يمشي علي الجميع.
وكانت الإجابة الدائمة التي تأتي علي لسان رئيس الجهاز 'مني ياسين' هو أن إعداد تلك التقارير يأخذ وقتا طويلا ليصل إلي عدة سنوات في الدول المتقدمة مثل أمريكا وأوربا، كما كانت تنفي عدم وجود أي ضغوط من جهات عليا لعدم صدور هذا القرار.
ويبدو أن مني ياسين تبحث دائما عن مبررات وحجج لعدم إدانة احتكار عز للحديد، فكانت في البداية تقول إنه لا توجد شكاوي ضد عز تتهمه بالاحتكار، وأن ملف الحديد احاله وزير الصناعة والتجارة إلي الجهاز للتحقيق والدراسة فقط.
وعندما ارتفعت أسعار الحديد وتخطت حاجز 8 آلاف جنيه، اتخذ المهندس رشيد محمد رشيد قرارا بفتح باب الاستيراد ورفع الجمارك عن حديد التسليح، ولكن للأسف قرار وزير الصناعة والتجارة الخارجية لم يتم تفعيله بحجة أن إجراءات الاستيراد تأخذ وقتا كبيرا.
وهذا ما أشارت إليه مني ياسين قائلة: إن استيراد الحديد عملية صعبة وبطيئة تأخذ قرابة الشهرين لفتح الاعتمادات البنكية اللازمة ثم ركن الشحنة في الموانئ حتي يتم فحصها ومطابقتها للمواصفات.
ورغما عن ذلك انتهي موضوع فتح باب استيراد الحديد ولم نسمع عن دخول أي طن حديد للبلاد من الخارج بل استطاع عز بقدرة قادر أن يقنع الجميع أن أسعار الحديد العالمية أعلي بكثير من الأسعار في مصر، وبالتالي وقف قرار الاستيراد بقدرة قادر وهو بالطبع 'عز'، واتضح ذلك عندما تم رفض دخول شحنة حديد قام باستيرادها أحد تجار الحديد الكبار من الخارج بحجة عدم مطابقتها للمواصفات القياسية وسط استياء الجميع داخل وزارة الصناعة والتجارة وشكوك في وقوف عز وراء رفض شحنات الحديد من الخارج حتي يظل متحكما في مصير المصريين.
تدريجيا، اشتعل الخلاف بين عز ورشيد عندما تدخل وزير الصناعة والتجارة بوضع ضوابط رقابية علي أسعار الحديد في كل مصنع وتحديد هامش الربح لكل تاجر أو وكيل أو موزع.
وهنا تحايل عز علي هذه الضوابط الرقابية حيث كان هو الوحيد الذي قام بنشر أرخص الأسعار '5990 للمستهلك' ولكنه قام بتعطيش السوق والاتفاق مع التجار علي تعطيشه.
ووصلت الخلافات بين الاثنين إلي ذروتها الأسبوع قبل الماضي بينما كانت الحكومة تسابق الزمن لاقرار قانون حماية المنافسة والاحتكار لكي تستطيع مواجهة المحتكرين بقوة.. استخدم عز كل سطوته وقوته في تغيير ملامح القانون وتعديل أهم مادتين بعد 48 ساعة من اقراره في البرلمان لصالحه وهي تحديد حد أقصي للغرامة ب300 مليون جنيه ورفض الغرامة التي قدمت في المشروع الحكومي بنسبة 10٪ من قيمة المبيعات، ثم تعديل المادة '26' بتوقيع نصف الغرامة علي المبلغ عن المحتكر، مما أثار حفيظة وزير الصناعة الذي غاب عن جلسات المجلس، وتردد أن رشيد قدم استقالته من الحكومة.
لكن رشيد أعلن السبت الماضي في مؤتمر صحفي أنه لم يقدم استقالته لتعود الأوضاع إلي الهدوء مرة أخري، غير أنه أكد أن هناك جولات قادمة في قانون منع الاحتكار وأنه سوف يعرض القانون مرة أخري علي مجلس الشعب بعد ثلاثة أشهر.
وعلي الرغم من أن البعض يتصور أن الحكاية انتهت خصوصا بعد أن ظهر عز في الصحافة والفضائيات يجمل وجهه أمام الرأي العام إلا أننا متيقنون أن المعركة لم تنته بعد رغم سطوته وجبروته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق