الثلاثاء، 17 يونيو 2008

الجائزة الكبري التي يريد بوش إهداءها للإدارة القادمة


الاهالى : تسعي أمريكا بعد احتلال دام خمس سنوات للعراق إلي إبرام معاهدة تحالف استراتيجي بين البلدين، وتحدد موعد 31 يوليو القادم كمحطة للتوصل إلي هذه المعاهدة بحيث تصبح الفترة التالية حتي نهاية العام متاحة لإجراء مناقشات داخل مجلس الكونجرس في الولايات المتحدة والبرلمان العراقي لإقرار المعاهدة.

ويبدو عنصر الوقت ضاغطا بشدة علي كل الأطراف، فالتفويض الدولي الذي حصلت عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجلس الأمن باحتلال العراق وإدارته تحت سيف البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة سينتهي في 31 ديسمبر القادم، وسيكون علي الولايات المتحدة أن تثبت أن العراق مايزال يشكل خطرا علي المجتمع الدولي وأن حكومته غير قادرة علي حفظ الأمن الداخلي وحماية الشعب العراقي، وبالتالي فلابد من استمرار الاحتلال مدعما بالتفويض الدولي، أو أن تنهي رسميا احتلالها للعراق في ظل صعوبة الحصول علي هذا التفويض مرة أخري، مستندة إلي المعاهدة الجديدة التي من شأنها تنظيم الوجود الأمريكي في العراق.. وعلي الرغم من عدم التوصل حتي الآن إلي بنود هذه المعاهدة، فإن ردود الفعل انصبت معظمها علي انتقاد المعاهدة، علي أساس أنها تضع الأساس الشرعي والقانوني لبقاء الولايات المتحدة في العراق واستمرار احتلاله بأشكال قانونية لعقود أخري قادمة.

رفض شامل

فالتقارير والمعلومات التي تم إعلانها حتي من جانب رئيس الحكومة رياض المالكي عكست رقضاً عراقيا شاملا من جانب كل القوي السياسية لكل ما تسرب عن بنود تلك المعاهدة، خاصة ما يتعلق بإقامة 50 قاعدة عسكرية، والسيطرة علي الأجواء العراقية فوق مستوي معين (309 آلاف قدم) ومطاردة أي تهديدات أو جماعات إرهابية، وحماية الجيش الأمريكي والوحدات المتعاقدة للأعمال الأمنية والإدارية من أي ملاحقات قانونية أو إدارية، وعدم قيام أي حكومة عراقية بعقد أي معاهدة أو اتفاق مع أي دولة أخري تتعارض مع المعاهدة مع الولايات المتحدة.. وفي محاولة أمريكية لامتصاص ردود الفعل الغاضبة التي أظهرت حالة إجماع وطني في رفض ما نشر حول المعاهدة، أكد الرئيس الأمريكي جورج بوش أن إدارته لا تهدف إلي استمرار احتلال العراق تحت غطاء تلك المعاهدة، كما نفت تصريحات لمسئولين أمريكيين آخرين كبار عدم وجود نية لإقامة قواعد عسكرية دائمة، وإنما التوصل إلي شكل من أشكال تنظيم العلاقات بين البلدين بعد انتهاء التفويض الدولي في نهاية هذا العام.

احتلال بطعم المعاهدة

وتحاول الإدارة الأمريكية تبرير اهتمامها بعقد المعاهدة بعدة اعتبارات منها:

> إنها عقدت معاهدات مماثلة مع ألمانيا واليابان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ومع كوريا الجنوبية وأقامت قواعد عسكرية وعلاقات استراتيجية في كل المجالات مع تلك البلدان، مما ساعدها علي النهوض الاقتصادي، دون الانتقاص من سيادتها.

بيت القصيد

> إن هناك تهديدات داخل العراق ممثلة في تنظيم القاعدة وجماعات إرهابية أخري تنتظر خروج القوات الأمريكية لتنقض علي النظام وتستولي عليه وتقيم دولة إسلامية علي طراز «طالبان» وتدخل العراق في أتون حرب أهلية ستؤدي أولي نتائجها الحتمية إلي تقسيم العراق إلي أكثر من ثلاث دويلات جاهزة بالفعل للظهور.. وأن القوات العراقية غير جاهزة وغير مؤهلة لتولي الشئون الأمنية والدفاعية وحدها.

> إن هناك تحديات خارجية خاصة من جانب إيران التي لديها أطماع إقليمية كبري للسيطرة علي دول المنطقة ولها مشروعها في جنوب العراق.

> أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية، والتي تهدد النظام الاقتصادي العالمي والدول الرأسمالية والصناعية الكبري، وهو ما يستلزم تنظيم الوجود الأمريكي في المنطقة لحماية مصادر ومنابع النفط، وحماية الأنظمة القريبة والصديقة للولايات المتحدة.

> عجز الدول العربية عن توفير مظلة حماية للعراق في ظل حالة الانقسام العربي، وفشل أي مشروعات لإقامة نظام إقليمي عربي والحاجة الدائمة إلي التواجد العسكري الأمريكي بصفة خاصة.

المأزق العراقي

وفي المقابل فإن العراق يعيش أزمة حقيقية، فهو لا يستطيع الاستغناء عن القوات الأمريكية فورا في ظل تهديدات أمنية تشكلها خلايا القاعدة والخلايا الأخري النائمة وفي ظل انهيار القبضة الحديدية التي كان نظام صدام حسين يمثلها لإحكام إبقاء العراق موحدا.

وطوال سنوات الاحتلال فإن الجهود التي بذلت لإقامة جيش عراقي قوي وموحد ويضم العناصر الرئيسية الثلاث «السنة والشيعة والأكراد» اصطدمت بعوائق وعقبات كثيرة، جعلت من مهمة بناء جيش وطني ومؤسسات أمنية داخلية تتعثر إلي حد كبير حتي الآن.. وترغب حكومة المالكي في التوصل إلي معاهدة تتيح إنهاء الاحتلال بدون أي قيود أو بنود تحد من سيادة العراق، ولكن كل بنود المعاهدة تحد بالفعل من سيادة العراق وتعيد للأذهان بنود المعاهدة التي أبرمتها حكومات العراق أيام الاحتلال البريطاني والتي ثار العراقيون ضدها وخاصة عام 1941 وتكررت الثورة سنة 1948، حتي تم إطاحة النظام الملكي المدعوم من الاحتلال البريطاني سنة 1958 وتاريخ العراق مع المعاهدات الأجنبية سيء السمعة، وهو مماثل لما حدث مع مصر حين عقدت معاهدة 1936 مع بريطانيا التي أعطت لها سيطرة كاملة علي المطارات والطرق والموارد وأيضا الاحتلال في سيناء وفي قناة السويس والعلمين ومرسي مطروح وحتي في قلب القاهرة تحت مسميات «معسكرات تدريب» ومخازن سلاح، إلي أن قامت حكومة الوفد سنة 1951 بإلغاء المعاهدة التي سبق وأن أبرمتها سنة 1936.. ويبدو رئيس الحكومة العراقية وحكومته في مأزق بالغ الصعوبة في الوقت الحالي، في ظل انسداد كل أبواب إنهاء الاحتلال، ولم يتبق سوي الباب الوهمي الخاص بإبرام المعاهدة، التي سيدخل العراق منها إلي احتلال جديد بصورة شرعية.

ورغم ردود الفعل العراقية الرافضة، إلا أن الضغوط الأمريكية أشد في ظل قرب انتهاء الولاية الثانية للرئيس بوش في نهاية هذا العام، وهو لا يريد أن يخرج من البيت الأبيض في نفس اليوم الذي تخرج فيه القوات الأمريكية من العراق بهزيمة ساحقة وبدون أن تحقق أي نتائج استراتيجية، سوي تفتيت هذا البلد وتدميره والإطاحة بنظامه ورئيسه بناء علي معلومات كاذبة، وهي نتائج استراتيجية كارثية لأنها حركت كل قوي الإرهاب والتطرف نحو العراق وفي داخله.. ويريد بوش أن يخرج والعراق لايزال في قبضة الولايات المتحدة ملزما الإدارة القادمة بتلك المعاهدة باعتبارها جائزة كبري تحصل عليها الولايات المتحدة نتيجة حرب خاسرة كلفت الولايات المتحدة أكثر من 4 آلاف قتيل و30 ألف جريح و3 تريليونات دولار ضاعت في مغامرة عسكرية هي الأفشل في تاريخ أمريكا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق