السبت، 21 يونيو 2008

ما علاقة الفقر بالتنمية؟.. وكم عدد فقراء مصر؟.. وكيف تنحاز الدولة للأغنياء؟..

9.jpg إبراهيم العيسوي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط:
حوار: ماجدة سليمان

«لا مساس بمحدودي الدخل».. عبارة يتناولها المسئولون كثيراً دون أن يفعلوا في حقيقة الأمر شيئاً لهذه الشريحة.. التي تتهذب الحكومة في وصفها رافضة عبارة الفقراء.. ولايزال «المساس» واقعاً رغم التصريحات الدائمة للمسئولين عن معدلات النمو والتقدم والاستثمارات والمدن الجديدة.. بينما في الحقيقة معدلات الفقر تزداد، وتتراجع معدلات التنمية لأسباب كثيرة منها سياسة التبعية الاقتصادية التي يمارسها النظام الحاكم.. ومنها انحياز الدولة لشريحة الأغنياء الذين أصبحوا يملكون الثروة والسلطة.. لدرجة أصبح معها إعلان عدد الفقراء في مصر أمراً يمس الأمن القومي ويلزم إخفاؤه.
ما علاقة الفقر بالتنمية؟.. وكم عدد فقراء مصر؟.. وكيف تنحار الدولة للأغنياء؟.. وكيف يخرج المجتمع بشرائحه من هذا المأزق؟.. الدكتور «إبراهيم العيسوي»، أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي بالقاهرة، أجاب عن هذه التساؤلات في حواره مع «البديل»
> كم يبلغ عدد الفقراء في مصر.. وكيف يتم تحديد الفقر في العالم مقارنة بمصر؟
> > حدد البنك الدولي مع وزارة التخطيط نسبة الفقراء في مصر إلي الشعب 40% منهم 4% فقر مدقع و20% أشباه فقراء وهم الفئة المعرضة للسقوط تحت خط الفقر.. والفقر المدقع يكون دخله 995 جنيهاً في السنة بما يعادل 273 قرشاً في اليوم، أما أشباه الفقراء فتم تحديدهم علي أساس دخل 1423 جنيهاً في السنة بما يعادل 390 قرشاً في اليوم.. يكفل للشخص 4 سندوتشات للفول والطعمية أي أن 40% من سكان مصر فقراء -حسبما حدد المسئولون- بينما الحقيقة أن 65% وهي النسبة الحقيقية من شعب مصر فقير لأن الحدود التي وضعها المسئولون غير إنسانية.. وهناك مقياس عالمي للفقر، وهو أن يكون دخل الفرد يتراوح بين 7.2 و9.3 دولار دولي في اليوم، وبعض الدول تصل به إلي 4 دولارات دولي في اليوم.. وعموماً سواء في المقارنات الدولية في البنك الدولي أو التقارير الوطنية عن خطوط الفقر فإن الفقر أكثر شيوعاً في مصر أكثر مما تصوره الأوراق الرسمية.. فالمواطن العادي أصبح مضطراً لتخصيص نسبة من دخله للاقتراض.. لما كان يحصل عليه مجاناً.. ولا يمكن النظر للفقر منفصلاً عن نمط توزيع الدخل والثروة وأوضاعها في مصر.
> التشريعات الضريبية الأخيرة كيف تري أثرها علي توزيع الدخل والثروة في مصر؟
> > طرحت التشريعات الجديدة تفاوتات متزايدة صارخة، فقانون الضريبة علي الدخل كان المفترض أن يكون تصاعدياً لكنه جاء في عام 2005 وألغي القانون القديم ليتضمن أمرين: تخفيض الشرائح إلي 3 شرائح فقط وتخفيض أسعار الضرائب بحيث تكون 20% أقصي سعر للضريبة في حالة أن يكون الدخل «40 ألف جنيه» ولم يميز بين من يكسب 40 ألفاً و40 مليوناً فجاء منافياً للعدل.. وانحيازاً سافر للأغنياء.. ساهم فيه «ترزية» القوانين وكان أنسب أن تكون الضريبة تصاعدية ومصر أخذت به في الستينيات والسبعينيات.. وهو ليس من بقايا العهد الاشتراكي بدليل اعتراف المجتمعات الرأسمالية به.. وكذلك الرأسماليون المستنيرون في مصر يؤيدونه بشدة.. وهذا النوع من الضرائب قد يصل أحياناً إلي 60 و70% في حالة الدخول المرتفعة جداً.. وهو أمر ضروري لتحقيق العدالة وتوزيع الدخل في المجتمع.
> هل تري حلاً آخر في حال استمرار الضرائب المنحازة لشريحة الأغنياء؟
> > لا يوجد حل لإعادة توزيع الثروة وليس الدخل إلا بإجراءات التأميم ومصادرة ممتلكات كبار الأغنياء لتضييق الفوارق بين المجتمع.. وعلي الذين يرفضون تعديل قانون الضرائب التفكير في بديل آخر لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشعب.. بعد شيوع الفقر واتساع الفوارق بين الطبقات بشكل مرعب.
> ما العلاقة بين الفقر والتنمية وكيف تتحدث الدولة عن التنمية والفقراء في ازدياد دائم؟
> > من الثابت علمياً أن الفقر معرقل للتنمية الاقتصادية بالذات- لأن الفقير هو إنسان مستبعد اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا لا يوفر له من يملكون الموارد لكي يعمل ويندمج وعندما يكون هو الشريحة الغالبة في المجتمع.. فكيف تحدث تنمية و65% من الشعب مستبعد منها.. وأبرز أشكال الاستبعاد الاقتصادي هو الحرمان من الاشتراك في سوق العمل - البطالة - والحرمان من ممارسة وظائف معينة والحرمان من ملكية وسائل الإنتاج والعزل عن الاقتصاد النظامي أو الرسمي. وهناك أشكال أخري كالاستبعاد السياسي فهو محروم من الترشيح في الانتخابات ومن الترشيح لمناصب بعينها بوضع شروط تعسفية لا تنطبق إلا علي فئة معينة.. وطالما بقيت الشريحة الغالبة هي الأفقر.. فهذا معناه أن النظام يخدم الطبقة الأقل من الأغنياء.
لأن الفقر شرط ضروري لاستمرار الأغنياء في غناهم فلابد من وجود طبقة يستغلها الأغنياء لذلك فإن الفقر وظيفة مهمة في النظام الرأسمالي، وهو صورة من صور الظلم الاجتماعي والقهر الاقتصادي.
> الإصلاح الاقتصادي الذي تتحدث عنه الحكومة كيف تراه؟
> > النمو الاقتصادي ضعيف علي مدي ثلث القرن الماضي منذ تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي باستثناء النصف الثاني من السبعينيات وتدفق المعونات الأمريكية، ولكن إجمالاً النمو كان ولا يزال ضعيفاً، وذلك راجع إلي خطأ في فلسفة التنمية المتبعة التي تتمركز علي إطلاق قوي السوق وإطلاق العنان أمام القطاع الخاص.. فتاريخياً السوق لا تصنع تنمية. وفي تجارب التنمية سواء في الدول الصناعية القديمة أو الحديثة لم يحدث نمو أو تقدم بدون تدخل قوي من جانب الحكومة.
وفي تجارب النمور الآسيوية يشاع خطأ أنها اعتمدت علي قوي السوق مباشرة ولكنها في الأساس اعتمدت علي توجيه الحكومة لقوي السوق وضبط توجهاتها بسياسات عامة.. إلي جانب التدخل المباشر في الدولة وإنشاء صناعات ومجالات لم يكن القطاع الخاص قادرا علي الدخول فيها.
وما يحدث في مصر هو انفتاح علي الاستثمار الأجنبي اعتماداً علي فكرة خاطئة بأن التجارة الخارجية هي محرك التنمية بينما العكس هو الصحيح.. ودليل فشل هذه التجربة ما أعلنه جهاز الإحصاء مؤخراً من أن هناك 40% من المنشآت الصناعية المصرية مغلقة.. ولم يحدث تدخل من الدولة لحمايتها وحماية السلعة المصرية التي واجهت وتواجه منافسة غير متكافئة.
وأنا أري أن هذا الانفتاح الاقتصادي للصناعة لابد أن يكون انفتاحاً انتقائياً ومتدرجاً.. وأمام السلعة التي تثبت وجودها محليا بقدرة تنافسية عالية، لقد ثبت لنا بالتجربة أن الاقتصاد المصري أضعف بكثير من الاندماج في الاقتصاد العالمي.
> ما رأيك في توجهات الصندوق الاجتماعي للتنمية وتركيزه علي المشروعات المتناهية في الصغر، وهل لها دور في إحداث تنمية اقتصادية؟
> > لا يمكن لهذه المشروعات أن تؤثر في عجلة التنمية، لأنها في النهاية أنشئت لمواجهة البطالة وتخفيف الفقر، والصندوق الاجتماعي أنشئ عام 91 لتخفيف الآثار السلبية من الإصلاح الاقتصادي وهي مشروعات في النهاية أشبه بمشروعات الإعاشة أو بدل البطالة.. وما هو صغير لدينا غير معترف به في الخارج لأن المشروعات الصغيرة في الخارج تضم من 100 إلي 500 عامل لكن المشروعات الصغيرة في مصر هي مشروعات تضم من 5 إلي 10 أفراد، وأحياناً فرداً واحداً في المنشأة وهذا أمر يحتاج لتخطيط وهنا أيضاً يبرز دور الدولة لأن هذه المشروعات كان مكانها في المناطق الصناعية والمدن الجديدة لتغذي المصانع والمنشآت الكبيرة بما تحتاجه، وبالتالي تؤثر في عجلة التنمية وليس الإنتاج العشوائي غير القابل للتصدير، وأصبحت السوق تستوعبه بصعوبة لأن هناك منافساً له.. «كالصين وغيرها» وأنا أري أن سبب فشل المدن الجديدة سواء كانت مراكز صناعية بالمعني الكامل أو مدناً متكاملة.. في تجاهل مثل هذه الصناعات التي كان يجب أن تدور في فلكها.. وأؤكد أن الصناعات الصغيرة القائمة حالياً بحاجة لتخطيط وإعادة هيكلة من قبل الحكومة، وخاصة أنها الآن موجودة في ورش صغيرة غارقة في التخلف التكنولوجي والصناعي ولا يمكن بأي حال أن تحقق نموا اقتصادياً.. ولابد من إعادة النظر وعدم اعتبارها مجرد أكل عيش ومشروع إعانة بطالة لأن الصين غزتنا بمثل هذه المشروعات.
> هل تعد المناطق الحرة نموذجا لتدهور النمو الاقتصادي في مصر؟
> > المناطق الحرة ارتبطت بالفوضي التي لازمت سياسة الانفتاح.. من إعفاءات ضريبية وجمركية.. فلا يعقل ولم أسمع في بلد آخر أن تنشأ مناطق حرة خاصة قد تكون عمارة في حي المهندسين وهي حاصلة علي ترخيص منطقة حرة خاصة.. المعتاد أن تكون مناطق موانئ وتكون قاعدة للتصدير أو استيراد خامات وتصنيعها بشروط ميسرة وإعادة تصديرها.. لكن المناطق الحرة عندنا تحولت إلي عبء علي الاقتصاد المصري فلم تصبح مصدراً للعملات الأجنبية كما كان سابقاً بل أصبحت مصدر استنزاف.. والغريب أن بيانات وزارة التجارة والصناعة تؤكد أن واردات هذه الشركات أصبحت أعلي من صادراتها وفي النهاية فإن صادراتها تكون للداخل وليس للخارج.
والإصلاح الأخير بإلغاء الإعفاءات علي الشركات المنشأة حديثا جاء متأخرا جداً.. وإن كان لم يميز أيضاً بين المنتجات وبعضها فلابد أن تكون هناك أولويات.. وللأسف كل القرارات التي تتخذ تتم في ظل غياب التخطيط.
> ما دور الدولة كما تراه لتقييم الأوضاع في القطاع الخاص واقتصاد السوق؟
> > دور الدولة في الحيلولة دون انحراف القطاع الخاص استثمارياً بمعني اتجاهه إلي أنشطة ومجالات قد لا يكون لها الأولوية الكبري ضمن أولويات التنمية القومية. فنشاط القطاع الخاص هو «خدمي تجاري وعقاري» وهو موجه لخدمة احتياجات الأغنياء في المجتمع والأمثلة كثيرة «المساكن الفاخرة.. القري السياحية.. المنتجعات.. الفنادق.. معدلات لا حصر لها.. سلع استهلاكية».. ولو ترك له المجال سيفعل ما يحقق له الربح فقط لأن السوق لا تستجيب للاحتياجات الاجتماعية ولكن لمن بيده القوي الشرائية الأكبر لذلك يقال في الاقتصاد «الناس تصوت في السوق بما تملكه من قوة شرائية» وهو معناه أنه لن يكون للفقراء صوت مؤثر مادام الاقتصاد يسير علي نظام السوق الحرة والعنان مطلقاً أمام الرأسماليين ومادامت الديمقراطية غائبة أو مستولي عليها من جانب أصحاب الثروة فهم يوظفونها لخدمة أغراضهم وستضيع أصوات الفقراء ولن يستجاب لمطالبهم.
> هل تري النظام السياسي عاجزاً عن القيام بهذا الدور أم مستفيداً من هذه الأوضاع؟
> > مفتاح التغير الحقيقي هو المفتاح السياسي ونقل السلطة إلي فئات منحازة للفقراء وليس الأغنياء، فالوضع الاقتصادي يتغير بقرار سياسي وهو يعتمد علي من يملك سلطة القرار السياسي والارتباطات الخارجية.. فلن تتحرك التنمية لصالح الفقراء، والعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا إذا حلت محل السياسة الاقتصادية الحالية فلسفة تقوم علي فكرة الاعتماد علي الذات والتنمية المستقلة التي تعتمد علي الغالبية العظمي من الشعب وتستهدف المصلحة الأكبر من محدودي الدخل.
> هل تري أن هناك ضغوطا علي النظام السياسي من الدول الرأسمالية يعجز النظام أمامها عن الفعل السياسي؟
> > بالطبع لو كان النظام المصري يعتبر أمريكا صديقا وحليفا استراتيجيا فلابد أنه سينصاع لكثير من الرغبات إن لم تكن ضغوطا، وهذا واضح في السياسة الاقتصادية والسياسة الخارجية، كالصراع العربي الإسرائيلي والحرب في العراق.
فالسياسة المصرية تتماشي مع التوجه الأمريكي وبرغم ما نجده من فروق بين الدول الرأسمالية الأوروبية وبين أمريكا ففي النهاية الاثنان يسيران في الطريق نفسه والفروق بينهما طفيفة، فالكل يغازل إسرائيل لا فرق بين بوش وميركل أو ساركوزي، ونحن نتحرك في تناغم مع هذه التوجهات الأمريكية الأوروبية، ولكن إذا كانت هناك ضغوط خارجية لا ينبغي أن نوجه اللوم لمن يضغط من الخارج، فإذا لم يجد الضغط من الخارج استجابة من الداخل فلن تتحقق الأطماع الخارجية.. فهناك طرف داخلي يستجيب، وهناك مصلحة كما يراها تعني أشياء كثيرة ليست بالضرورة نفعاً ذاتياً، وإن كان غير مستبعد كالمعونات التي تغذي القطاع الخاص والجهات الحكومية والمجتمع المدني.
> ما مستقبل الحركات الاحتجاجية الناشئة علي الساحة السياسية في مصر؟
> > كلها مبشرة بالخير حتي لو تعرضت لانتكاسات، ولكن العبرة في النهاية بالإرادة الوطنية، التي لو أدركت أن خط التنمية الذي تنتهجه الحكومة منذ زمن بعيد سيؤدي إلي تنمية مشوهة وتبعية اقتصادية للقوي الرأسمالية في العالم سيكون لهذه الحركات الاحتجاجية قيمة وتأثير حقيقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق