الفجر: أعاد إعلان شركة اوراسكوم للاسكان التعاوني عن المرحلة الثانية من مشروعها السكني ضمن برنامج الرئيس الانتخابي حالة الاستياء والغضب التي انتابت الحاجزين في المرحلة الاولي، واخرج الي السطح الحنق المكتوم وعكس التخبط المستمر في ادارة المشروع القومي للإسكان الذي يرأس جهازه التنفيذي جلال سيد الأهل.
فقد اعلنت اوراسكوم للإسكان التعاوني عن بدء الحجز لوحدات سكنية تتراوح مساحاتها بين 38 مترا و48 مترا و63 مترا، واشترط الاعلان ان يكون المتقدم من ذوي الدخل المحدود الذي لا يزيد علي 1000 جنيه للاعزب و1500 جنيه للمتزوج.
لم تكن الصدمة واضحة في الاعلان الذي نشر في اخبار اليوم علي الاقل، فقد اخفي الاعلان اسعار الوحدات السكنية، وانما جاءت عند الاتصال بالرقم المنشور مع الاعلان حيث فوجئ الراغبون في الحصول علي وحدة سكنية بأن الاسعار خرافية وأنها لا تمت لمحدودي الدخل بصلة، ناهيك عن المساحات الصغيرة الاقرب الي القبور منها الي الشقق السكنية.
فالوحدة التي تبلغ مساحتها 38 مترا ثمنها 60 الف جنيه والوحدة التي مساحتها 48 مترا ثمنها 70 الف جنيه والوحدة التي مساحتها 63 مترا ثمنها 90 الف جنيه .
هذه الأسعار تتناقض تماما مع ما قاله الرئيس وما أكده برنامجه الانتخابي من ان الشقة مساحتها 63 مترا فقط، وان سعرها 50 الف جنيه وستدعم من الدولة بـ15 الف جنيه ومقدمها لن يزيد علي 5000 جنيه وان القسط لن يتجاوز رقم الـ160 جنيها شهريا، فأين وزارة الإسكان المحترمة من هذا الكلام الفارغ الذي أعلنته شركة اوراسكوم للإسكان التعاوني؟
لماذا قلنا ان الكلام فارغ؟
لأن السعر الذي حدده الرئيس تم تغييره، والمساحة التي حددها الرئيس تم تقليصها، والقسط الشهري الذي قاله الرئيس تم نسفه، والدعم الذي حدده الرئيس تم انقاصه لأن الشركة المنفذة قطاع خاص، وبعد كل هذا لم يعد للمقدم الذي حدده الرئيس اي قيمة، فتم مسحه بأستيكة.
لأنه ووفقا لهذا فإن المستفيد من الوحدة السكنية المتناهية الصغر سيكون اعزب او متزوجا حديثا ولا يعول لأن الوحدة عبارة عن غرفة نوم واحدة وصالة وحمام ومطبخ وبذلك فإن الاعزب عليه أن يدفع مقدما لا يقل عن 35 الف جنيه لأن أقصي قسط شهري سيدفعه وفقا للقانون هو 250 جنيها في الشهر بنسبة 25% من مرتبه الذي لن يزيد علي 1000 جنيه كما سبق وقلنا، في حين أن المتزوج سيدفع مقدما لوحدة سكنية مساحتها 38مترا قدره 27500 لأن اكبر قسط شهري يستطيع دفعه هو 375 جنيها.
هذا فقط كان «للتربة» عفوا للوحدة السكنية بمساحة 38مترا فقط، في حين أن الوحدة الاكبر مساحة بقليل 48 مترا فثمنها 70 الف جنيه وبالتالي فإن الاعزب مطالب بدفع مقدم لهذه الوحدة الصغيرة قدره 45 الف جنيه مع ثبات قسطه الشهري عند رقم 250 جنيها في الشهر، اما المتزوج فهو مطالب بمبلغ 36 ألفا و500 جنيه.
الوحدة الاضخم والاكبر والتي يعتبرها سميح ساويرس أنها قصر الفقراء ومحدودي الدخل والبالغة مساحتها 63 مترا، يطالب الاعزب مقابلا لها 65 الف جنيه كمقدم فقط، في حين ان المتزوج سيدفع مقدما لهذا القصر المشيد قدره 56الفا و500 جنيه.
هل هذه اسعار شقق الفقراء ومحدودي الدخل ؟ هل هذا هو برنامج الرئيس الانتخابي؟ اقصد الرئيس مبارك رئيس مصر وليس الرئيس الفرنسي ساركوزي أو الرئيس الامريكي جورج بوش.
السؤال العملي الآن: من الذي حدد اسعار هذه الوحدات السكنية التي تحصل علي دعم من الدولة وتأخذ قرضا تمويليا من البنوك؟
المعروف ان هناك ما يسمي بـ «المقيم»، هذا المقيم عضو جمعية المقيمين والمسجلين في هيئة تسمي هيئة التمويل العقاري التي يرأس مجلس ادارتها اسامة صالح، هذه الهيئة من أحد ادوارها الاساسية الإشراف علي عمليات التقييم هذه، بحيث يذهب المقيم المسجل بالجمعية والمسجل بالهيئة للوحدة المراد ادخالها في نظام التمويل العقاري ويقوم بتقييمها باعتباره خبيرا في هذا الامر.
ورغم عدم خبرتنا في عمليات التقييم الا اننا استطعنا أن نعرف تكلفة انشاء الوحدة السكنية في مشروع اوراسكوم، وهو الامر الذي فتح امامنا ابوابا للشك والريبة في هذا المشروع، لأن المشروع تم تنفيذه بنظام الحوائط الحاملة الاقل تكلفة من نظام الخرسانة المسلحة، وهذا المشروع لم يدخل فيه سيخ حديدي واحد، وتم تنفيذه بأقل نسبة اسمنت ممكنة استنادا للفكرة العبقرية التي احياها الاستشاري العبقري ممدوح حمزة وهو في الوقت نفسه استشاري المشروع ، وبالتالي فليس هناك مبرر واحد لرفع سعره الي هذا الحد، خاصة أن تكلفة الوحدة الواحدة 63 مترا دون تشطيب لا تتجاوز 9000 جنيه فقط فإذا اضفت اليها 11 ألف جنيه للتشطيب فان السعر لن يتجاوز بأي حال من الاحوال 20 الف جنيه، اضف اليه 5000 جنيه مرافق فان الاجمالي 25 ألف جنيه فقط، فإذا التزم سميح ساويرس ببرنامج الرئيس وباع الشقة بثمن 50 الف جنيه فقط فانه سيكون قد ربح 25 الف جنيه يعني 100% من التكلفة، فما الداعي لكل هذا التربح الفاحش من الفقراء ومحدودي الدخل، لأنه وبحسبة بسيطة فإن قيمة ارباح سميح ساويرس من هذا المشروع ستقدر بـ مليار وربع المليار جنيه. فلماذا اذن المغالاة في السعر ولماذا الرغبة في الحصول علي اكبر ربح ممكن طالما ان الربح وفقا للتكلفة المتواضعة سيكون ضخما جدا؟
الغريب ان شركة السيد سميح ساويرس هي الوحيدة في محور رجال الاعمال في مشروع الرئيس للاسكان، التي حصلت علي ارض المشروع البالغة 5000 فدان من وزير الاسكان احمد المغربي بـ 20 جنيها للمتر فقط لبناء 50 الف وحدة سكنية، وامام هذه التكلفة المنخفضة جدا فان الربح المتوقع لشركة اوراسكوم للاسكان التعاوني هو كالآتي: اذا افترضنا ان التكلفة ثابتة عند 25 الف جنيه وان متوسط البيع سيكون 75 الف جنيه للوحدة الواحدة فإن اجمالي ما سيجنيه من المشروع 3 مليارات و750 مليون جنيه، متوسط التكلفة مليار و250 مليون جنيه، الباقي سيكون 2.5 مليار جنيه صافي ارباح المشروع.
المشكلة ان سميح ساويرس لم يكن فريدا في مشروعه، ولم يكن استثناء، بل كان مجرد نموذج سار عليه بقية رجال الاعمال الطامحين في استغلال محدودي الدخل في جني مزيد من الارباح الهائلة.
هناك أيضا مجموعة رجال الاعمال في مدينة الشيخ زايد علي رأسهم حسام بدراوي وعمرو بدر، وغيرهم كثيرون في مدن جديدة كثيرة، لكن المشكلة ليست في اسماء رجال الاعمال، لكن المشكلة تكمن في كيف يتصرف هؤلاء مع برنامج الرئيس.
لا أحد يطالبهم بأن يتحملوا مسئولياتهم الاجتماعية، لا احد يطلب منهم ان يكونوا رحماء مع الفقراء ومحدودي الدخل، لا أحد يجبرهم علي ان يكونوا علي قدر الازمة الاقتصادية الصعبة التي تضرب وتعصف بالشرائح الاكبر من المواطنين من غلاء وتضخم وفقر وكساد، لا أحد يدفعهم لرد الجميل لهذا البلد الذي غرفوا من خزائنه وأخذوا منه الغالي والنفيس حتي كونوا ثرواتهم. لكننا فقط نعتقد أن الربح المعقول يجب ألا يتجاوز 20%، خاصة عندما يتعلق الامر ببرنامج رئيس وضع آماله علي عاتق رجال الاعمال الذين قام نظامه بتسمينهم وإغنائهم وإثرائهم.
كنا فقط نتمني أن يقنع هؤلاء بمكسب 100 % من مشروعات تقام من أجل السلام والامن الاجتماعي، لأن أي عامل في أي مصنع لن ينتج ولن يعطي لو كان يسكن في الشارع، أي موظف لن يحترم الجمهور لو أن أولاده ملقون علي قارعة الطريق، أي انسان قد يصوم وتصوم معه اسرته اذا ما شح الاكل وندر الطعام، لكنه لا يستطيع أن يتحمل عدم وجود شقة آدمية تحمي أهله واسرته وتحميه شخصيا من برد الشتاء وتستر عرضه ولحمه من أعين الناس.
كنا نعتقد أن رجال الاعمال المحترمين هم من يعتقدون ان أكبر ضمان لأموالهم وأكبر حماية لها وأكبر استثمار لها سيكون في المشاركة في رفع اعباء التضخم والغلاء عن كاهل المواطنين، في المساهمة في تقليل خسائر الازمة الاقتصادية العالمية الخانقة التي تقتل الفقراء وتذبح محدودي الدخل.
كنا نعتقد أن الرضا بالملايين قد يكون كافيا لهؤلاء، لكن علينا ان نعترف بأننا مخطئون، فرأس المال لا يخشي من الصيد في الماء العكر، رأس المال ليس له دين ..ليس له وطن ..ليس له قلب ..وأيضا ليس له عقل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق