الفجر - لا احد يعلم متي بدأ د. يوسف بطرس غالي الحلم بأن يصبح وزير مالية ولكن من المؤكد ان الرجل وضع نصب عينيه الوصول للمنصب الاهم في المجموعة الاقتصادية منذ سنوات طويلة تنقل خلالها في عدة مناصب وزارية دون ان يسمح لنفسه بأن ينسي الهدف الغالي.. هدف الوصول الي وزارة الجباية والموارد وتوزيع الاموال علي خلق الله عبر موازنة الدولة.
ومنذ اربع سنوات حقق غالي حلمه واصبح وزير مالية من طراز خاص جدا تحدي غالي المقولة العالمية بأن وزير المالية هو وزير مكروه ومهمته الاولي في الحياة هي العكننة علي المواطنين. غالي قدم قانونا جديدا وجريئا للضرائب. الغي غالي نظام الشرائح في القانون وخفض الحد الاقصي للضربية الي النصف لتصبح 20% بدلا من 40% . وفي رشة كرم قرر غالي نظاما للتصالح الضريبي تنازل بموجبه عن مستحقات للدولة بالمليارات من الجنيهات. ألم اقل لكم انه وزير من طراز خاص جدا وزير كريم (طحن) بلغة الروشنة. في هذه الفترة كان غالي يعيش شهر العسل مع المنصب الوزاري، بواسطة اموال الشبكة الثالثة للمحمول استطاع غالي ان يقدم دعما ماليا سخيا لحل ازمة كوارث القطارات. فتم تدبير 5 مليارات جنيه لوزارة النقل. وابتكر غالي في هذه الفترة السعيدة حلولاً لمساندة نواب حزب حكومته فمنح لكل نائب مبلغا ماليا لمشروعات خدمية وسريعة في دائرته دون انتظار لوصول اموال الخطة التي يستغرق وصولها سنوات. وعاش غالي بالمثل ايام عسل علي المستوي العالمي حتي انه فاز بجائزة اليورومني لعامين متتالين بوصفه افضل وزير مالية علي مستوي الشرق الاوسط. ويقال والعهدة علي الرواة ان جماعة اليورومني قد حجبت الجائرة لأنها لم تجد منافسا لغالي في كرمه مع المتهربين واصحاب المليارت.
ولكن دوام الحال من المحال وايام العسل بطبيعتها محدودة وقصيرة في معظم الزيجات خاصة زواج غالي من وزارة المالية. الان تغير الوضع.. الان اصبح غالي في ورطة كبري لتوفير موارد حقيقية لتستطيع الحكومة ان تفي بجزء مجرد جزء من ترسانة الوعود والاحلام التي لم تترك مناسبة او فرصة دون تكرارها.
ورطة غالي كانت تكبل خطواته حتي قبل أن يعلن الرئيس مبارك ان العلاوة الاجتماعية ستبلغ 30%. ورطة غالي سابقة علي تدبير نحو 5 مليارات جنيه لتمويل العلاوة الاجتماعية الجديدة.
يميل د. غالي ومعظم قيادات الحكومة والحزب الي تبرير ورطة الحكومة في تدبير موارد للموازنة الجديدة بارتفاع اسعارالمواد الغذائية عالميا خاصة القمح والذرة والزيوت وكذلك الي ارتفاع اسعار البترول «لأرقام قياسية». وطبقا لهذا التوجه فإن الحكومة كانت ستفك عن كيسها وتمنح الفقراء مكافأة سنوات النكد والشقاء الماضية. ولا احد ينكر ان الارتفاع الجنوني في اسعار الغذاء والبترول يستطيع ان يهد حيل اي موازنة خاصة موازنات الدول النامية مثل مصر. ولكن غالي والحزب الوطني رفضا الحلول السريعة والعادلة في آن واحد. فقد اصر غالي علي عدم المساس بضرائب الاثرياء رفض زيادة الحد الاقصي للضرائب ليصل الي 25%. غالي لا يزال متمسكا بآخر ذكري للايام الخوالي في شهر العسل. وبنفس المنطق يرفض غالي المتحرك تجاه زيادة عجز الموازنة.
المثير ان غالي اغلق برفضه بابين من ابواب الخروج من الورطة. وزاد من حدة هذه الورطة تكلفة تمويل العلاوة الاجتماعية الجديدة ولأن السماء لا تمطر ذهبا ولاعملات ولأن تراث حكومتنا الطويل يتوافق مع المثل الشعبي (الحداية لا تحدف كتاكيت) لهذا وذاك فإن غالي والحكومة سيخرجان من الورطة علي حسابنا او علي جثثنا بدون مبالغة.
تكشف القراءة الاولية لمشروع الموازنة الجديد الذي احالته الحكومة لمجلس الشعب وقبل تحديد العلاوة الاجتماعية عن تضحية حكومية ليس بالمواطنين فقط بل بتنفيذ الخطة السنوية لبرنامج الرئيس مبارك الانتخابي وذلك في مجالات خطيرة وحيوية. خذ عندك علي سبيل المثال الموازنة المخصصة للشباب (المجلس الاعلي للشباب). والحزب الوطني وقياداته صدعوا رءوسنا بالاهتمام بالشباب. ولكن الموازنة المخصصة للشباب تقل عن موازنة العام الماضي. رغم وعد الرئيس مبارك بنشر مراكز الشباب في كل قرية. وبالمثل تمت التضيحة بمطالب وزير الصحة لتوفير نحو 3 مليارات اضافية لتقديم خدمة صحية جيدة للمواطن حيث يلتهم بند الرواتب معظم الاموال المخصصة للوزارة، وهذا الموقف ليس له سوي معني واحد وهو زياده اعباء العلاج بشكل عام ورسوم التأمين الصحي بشكل خاص خلال العام القادم.
العلاوة الاجتماعية الكبيرة اوفقت الحوار مع الحكومة في تعديلات الاجور لعدد من فئات المجتمع وهو ما يهدد وعود الحكومة للاطباء واساتذة الجامعة بتحسين دخلوهم،وبالمثل انعكست التخفيضات في مشروع الموازنة علي الموارد المخصصة لبند الصيانة والذي كان يعاني من تدهور في الاعوام الماضية (خصص له نحو مليار جنيه). وهو مبلغ تافه لم يؤد الا لمزيد من تدهور الطرق والكباري والمدارس وغيرها من المرافق العامة للدولة.
ولا يحتاج الامر لخبير ليدرك كل من يقرأ مشروع الموازنة ان الاستثمارات العامة للدولة هي الضحية رقم واحد في هذه الموازنة. وقد جري تخفيض الاستثمارات علي جميع المستويات بما فيها الصرف الصحي ومشروعات اسكان الشباب ومحدودي الدخل،وذلك بالاخذ في الاعتبار زيادة اسعار معظم مدخلات المشروعات من حديد واسمنت وغيرهما من المدخلات.
ووصل الحال والجرأة بغالي وحكومته الي الاعلان عن تمويل هذه المشروعات من خلال بيع الاراضي والمباني التي يمكن الاستغناء عنها في كل قطاع وبالمثل تمويل هذه المشروعات من خلال بيع المخزون الحكومي الراكد في الوزارات والهيئات الحكومية.
واستمرارا لخطة البيع اعلن غالي في مؤتمره الصحفي الاخير انه لا يري مبررا لتعديل قانون الضرائب لزيادة الموارد لاننا سنبيع بعض الاصول المملوكة للدولة (لسه عندنا اصول نبيعها) وقد اتفق جمال مبارك مع نفس توجهه غالي. وقال في لقائه مع عبد اللطيف المناوي ببرنامج (وجهة نظر) ان البيع هو حل مؤقت لحين تدفق عائد الاصلاح.
وكانت موازنة غالي قد رصدت موارد الخصخصة بـ10 مليار وهو رقم يمثل صافي حصلية الخصخصة أي أن الحكومة تنوي بيع اصول بنحو ضعف هذا المبلغ خاصة في ظل تعهد وزارة الاستثمار بسداد 7,8 مليار جنيه للبنوك العامة لانهاء ملف ديون شركات قطاع الاعمال العام قبل نهاية العام الحالي (2008). ويتوقع ان يزيد اعتماد الحكومة علي باب الخصخصة لتمويل تكلفة العلاوة الاجتماعية الكبيرة. وهو ما يشير الي ان غالي وحكومته قد ضحيا ايضا وكالمعتاد بحق الاجيال في هذه الاصول التي اصبحت تمثل المنقذ الاساسي للحكومة للتقليل من حجم ونسبة العجز في الموازنة، ولأن اصحاب المعاشات جزء اصيل من هذا الوطن فلم تنس الحكومة أن تضحي بهم ايضا لأن المساواة في التضحية منتهي العدل. ولذلك ظهرت في كواليس الحكومة عودة مفاجأة لمشروع رئيس الحكومة السابق عاطف عبيد وهو مشروع مبادلة ديون الحكومة لصناديق المعاشات بشركات ومشروعات. وتهدف هذه الخطوة الي خفض الدين العام المحلي. وهي خطوة مهمة جدا للحكومة والحزب معا لأن غالي قد يضطر الي طرح سندات وأذون جديدة لمواجهة اعباء ارتفاع فاتورة الغذاء عالميا.
وتنوي الحكومة تحريك اسعار بعض السلع البترولية للخروج من الورطة. في الحقيقة يبدو غالي مستعدا لعفل اي شيء وبيع اي شيء في سبيل عدم المساس بقانون الضرائب علي الدخل. ومن الممكن ان يضحي غالي بالشباب والعجائز والتعليم والصحة. كله كوم وقانون غالي كوم تاني،وقد ادي اصرار غالي الي ظهور شائعة خبيثة جدا تؤكد ان سبب موقف غالي هو خوفه ورعبه من أن يسحبوا منه جوائز اليورومني اذا غيرنا قانون الضرائب ورفعنا الضرائب علي الاثرياء. وهو تخوف حقيقي لأن قيمة الجائزة كبيرة جدا لدرجة أن غالي قد يقرر طرحها للبيع إذا اشتدت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق