الثلاثاء، 13 مايو 2008

رجال الأعمال وراء ثورة سائقى الميكروباصات التى تشهدها القاهرة حاليا

Toshiba - Toshibadirect.com
العربى :جاءت قرارات مجلس الشعب العاجل رفع أسعار بعض السلع البترولية وغيرها، لتلتهم “العلاوة” الاجتماعية التى أقر الرئيس مبارك زيادتها بنسبة 30% فقط لتفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات الفوضى، خاصة أنها ـ أى القرارات ـ مجرد مقدمة لاشتعال وتأجج نيران الأسعار فى كل السلع.. بدءا من تعريفة الميكروباص انتهاء بسعر زيوت الطعام.
المراقبون اعتبروا قرارات رفع الأسعار بمثابة انتحار سياسى جديد ليس فقط لحكومة نظيف بل لنظام الرئيس مبارك، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية: هل يمكن تكرار أحداث 81 و91 يناير فى الشارع المصري؟!.. وماذا لو حدثت الفوضى فى سياق تدهور أوضاع العمال والفلاحين إلى جانب تصاعد وتيرة الغلاء.

اعتبر د. جهاد عودة ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان وعضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم ـ أن الخبز والميكروباص سوف يحددان ملامح الأزمة فى الأيام القليلة المقبلة، فهما من القضايا الرئيسية التى يجب على المحليات التصدى لها، لتفويت الفرصة على أصحاب الشعارات.
موضحا أن الزيادة التى طالت قطاعا عريضا من الشعب كان مقدرا لها أن تنال من الطبقة الفقيرة فقط.. ولكن حدث تدخل من القيادة السياسية وطغت على الحكومة برفع أسعار الغاز للمصانع.
“عودة” كشف أن الرئيس مبارك تدخل فى اللحظات الأخرة بمطالبته بضرورة إصدار تشريع جديد ضد الأغنياء وهى المرة الأولى التى يطبق فيها تشريع ضد الطبقة العليا، التى كانت دائما تتجنبها القوانين خلال السنوات الأخيرة.. فالرئيس هو الذى طلب وضع المعاهد والجامعات الخاصة فى منظومة الضرائب، بعد الإعفاءات الممنوحة لها طوال تلك الفترة.
“مبارك” حزم رئيس الحكومة د. أحمد نظيف.. لأن الأخير كانت لديه خطة لرفع الأسعار بشكل عشوائى، ودون النظر إلى خطورة الأبعاد الاجتماعية فلولا تدخل مبارك لأكلتنا حكومة نظيف أكل الذئاب، لأن ما حدث داخل الغرف المغلقة وقبل اجتماعات مجلس الشعب وتدخل مبارك وممارسته لحقه الدستورى فى مراجعة رئيس الحكومة لكانت القاهرة قد احترقت.
ووصف “عودة” نظيف بافتقاره للرؤية والخبرة السياسية فى إدارة شئون البلاد، وهو ما انعكس فى هرولته نحو التنمية السياسية بأبعادها “الربحية” الصرفة متجاهلا البعد الخدمى، ومن ثم الأبعاد الاجتماعية.. وهو ما سبب حرجا للحزب الحاكم طالما دعت أمانة السياسات نظيف وحكومته إلى اتباع سياسة تحرص على التوازن بين البعدين الاجتماعى والاقتصادى، دون تغلب أى منهما على الآخر.. وهى من الأسباب الرئيسية التى تجعل رئيس الدولة يتابع أولا بأول مجريات الأمور فى البلاد من أجل الحفاظ على الشريحة الأكبر من الشعب.
وفيما يتضمن كلام “عودة” إشارة إلى خلافات حادة بين الحزب الوطنى وفى القلب لجنة السياسات وحكومة نظيف.. فعلى الرغم من إمكانات نظيف الفنية وامتلاكه لمقومات البناء السريع.. ولكنه لا يستطيع وضع تصور اقتصادى بعيد المدى.. وهى إحدى المشكلات والأزمات التى يواجهها نظيف أمام وزرائه.
“عودة” انتقد نظيف وسياسته الاقتصادية واصفا إياها بأنها قرارات يصدرها وكأنه يعيش فى جزيرة خالية من الفقراء.
كاشفا أسرار الغرف المغلقة والتى شهدت مناقشات ساخنة جاءت جميعها ضد سياسة نظيف من بينها مطالبة الرئيس بالإبقاء على دعم بنزين 09 ورفع أسعار 29 و59 لأنهما لا يخدمان الطبقة المتوسطة ودعمهما يصل إلى الأغنياء.. فى الوقت الذى كان نظيف استبعد رفع أسعار هذه النوعية من البنزين!! أو على الأقل أن ترتفع بنفس النسب للبنزنين 09، ولكن مبارك رفض دعم الأغنياء، وطالب بأن تكون المرحلة القادمة حصول “الدولة” على حقوقها من أصحاب رءوس الأموال.. دعما لمطالب الفقراء والطبقة المتوسطة.
واختتم “عودة” بأن رجال الأعمال وراء ثورة سائقى الميكروباصات التى تشهدها القاهرة حاليا، لأنهم يملكون أساطيل من سيارات الركوب باهظة الثمن، فرجال الأعمال هم وحدهم القادرون على شراء تلك السيارات التى وصل ثمن بعضها ربع مليون جنيه.
استبعد د. وحيد عبدالمجيد ـ نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تكرار سيناريو يناير 77 قبل ثلاثين عاما، نظرا لتغيير التركيبة الاجتماعية والسياسية.. فلم تعد شريحة المجتمع المصرى موحدة كما كانت إضافة إلى غياب الأفق السياسى بالنسبة للمستقبل.
ولكن ما حدث مؤخرا من إصدار القرارات الاقتصادية، فهو يدل على غياب الوعى السياسى، وعدم إدراك لعواقب الأمور.. فالطبقة الرأسمالية تزداد ثراء فى الوقت الذى أصبح الفقراء هم السواد الأعظم.. وهذه الطبقة هى التى سوف تتحرك، ولكن دون وقت معلوم، فتحركها قد يحدث فى أى وقت ودون ضوابط، ولن تحركها دوافع سياسية ولكن دافعها الأول هو السخط العام على سوء أحوال المعيشة، وفشل القوى السياسية والاجتماعية فى تحقيق مطالب تلك الشريحة.
وإذا حدث هذا التحرك الجماهيرى، فإن البلد سوف تتجه إلى المجهول وعصا الأمن لن تفلح فى القضاء عليه.. لأنها سوف تكون ثورة شعبية ـ بجد ـ ليست ضد “النظام” فقط ولكنها ضد القوى السياسية جميعها لأنهم فشلوا فى حل أزمة المواطن البسيط، الذى وجد نفسه وحيدا وجائعا.
“عبدالمجيد” توقع أن تقدم البلاد على العصيان المدنى، برغم حدوثه مرات معدودة كما ذكر التاريخ، فما يحدث فى مصر مؤخرا، ليس عصيانا مدنيا، لكنه احتجاج عام، والدعوة إلى العصيان المدنى تتطلب وجود مقومات عديدة، لايزال بعضها غائبا وعلى رأسها وصول المجتمع إلى درجة الغليان.
يرى المستشار طارق البشرى ـ نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق ـ أن السياسة الحكومية “الخاطئة” لا تبالى بخطورة الوضع القائم، لأن قوة القمع هى الوسيلة الوحيدة أمام الحكومة حاليا، للإمساك بزمام الأمور، وقد تنجح لبعض الوقت ولكنها لن تستمر طوال الوقت.
فزيادة الأسعار الأخيرة جاءت بعد ساعات قليلة من زيادة الرواتب فى حين كانت حكومات العهد الماضى، ترفع الأسعار “سرا” وبعد مرور وقت طويل من زيادة الرواتب.. ولكن ما حدث مؤخرا دليل قوى على أننا أمام حكومة، لا تملك الإحساس بحالة المواطن وهى مسألة غريبة.
وانتقد “البشري” الحكومة فى سياساتها الاقتصادية، متهما إياها بتغطية العجز المالى عن طريق رفع الأسعار التى تهم القطاع العريض من الشعب، فارتفاع أسعار الزيوت على سبيل المثال ترفع أسعار الفول والطعمية وهما من الأكلات الشعبية، فى الوقت الذى لم ترفع فيه الحكومة أسعار الأراضى التى تطرحها للمستثمرين فى طول البلاد وعرضها، بل على العكس تقوم بتسهيلات عدة لصالح المستثمرين، بحجة أنهم يملكون رأس المال، الذى يقيم المنشآت والمصانع لتوظيف العمال.
“البشري” يرى أن الوضع الداخلى أصبح “أزمة” وهناك احتمالات غير محسوبة بعد أن فشلت المعارضة فى الوصول للحكم وفشلت الحكومة فى القضاء على الأزمات التى تهم الفقراء.. فالبلاد تعيش الأزمة منذ عام 0002 حتى اليوم وهى المرحلة الأخيرة لتطور الأوضاع الاقتصادية، وكانت المرحلة الأولى بدأت منذ 57 حتى 1991 وهى مرحلة حرب الخليج الثانية والتى تشكلت خلالها الضغوط الدولية المتمثلة فى البنك الدولى وضغوطه التى مارسها ضد النظام لتنفيذ “حزمة” الإصلاحات الاقتصادية وبيع القطاع العام، وإعطاء دور أكبر للمستثمرين.. ونفس الفترة شهدت انصياعا كاملا للسياسة الأمريكية وتغلبت المصالح الخاصة للحكم على مصالح الجماعة من الشعب المصرى.
حذر اللواء فؤاد علام ـ نائب مدير مباحث أمن الدولة الأسبق والخبير الأمنى ـ من عدم مراعاة البعد الاجتماعى.. وأن الاحتمالات قائمة لحدوث اضطرابات ومظاهرات فى الشارع وقد تعود الأسباب إلى حالة الغياب الرقابى وعدم وجود جهاز قادر على احتواء المشكلات.. فى ظل وجود منظمات محلية تحاول استغلال الأخطاء السياسية التى ترتكبها حكومة نظيف، وهذه الجماعات مثل كفاية وحركة 9 مارس نجحت فى تحريك الشارع وإن لم تكن بالشكل الجماهير الواسع ولكنها نجحت، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
هذه القوى الداخلية يترقبون ويحاولون إحداث “فوضي” بالشارع فى الوقت نفسه انتشر التفسخ الاجتماعى.. فى مقابل حكومة ضعيفة ونظام مغلول اليد إلى حد ما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق