الفجر : للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل جملة شهيرة في وصف الامة العربية وهي تعبير «امة الفرص الضائعة». ويكاد التعبير الشهير: ينطبق علي الاسبوع الماضي في حياة جمال مبارك، أسبوع موسم مؤتمر شرم الشيخ كان هو اسبوع الفرص الضائعة في حياة السياسي جمال مبارك. رغم الظهور المكثف له سواء في المؤتمر العالمي او شاشات الفضائيات والتليفزيون المصري ولكن السؤال المهم هو: هل استفاد جمال من هذا الحضور؟! ورب حوار واحد خير من عشرة حوارات، رب غياب مؤقت يذكي الشوق ويبعد الملل ويمنح فرصة للتفكير وربما يحتاج جمال مبارك الي تأمل القاعدة الصحفية الشهيرة خير للصحفي ان يسأل القراء: لماذا توقف عن الكتابة من ان يسألوا لماذا يكتب او متي يتوقف عن الكتابة او كيف يكتب هذا الكلام؟
في مؤتمر شرم الشيخ بدا جمال مبارك في «نيولوك» جديد. ولكنه اكتفي بالطريقة التي يتبعها سياسيو الغرب للتعامل مع الرأي العام.. اكتفي جمال باجراء «نيولوك» في مظهره فقط بدا بقميصه الجينز اكثر شبابا وعلق كارنيه دخول المؤتمر طوال حواراته مع التليفزيون المصري والمحطات الاجنبية والعربية لتأكيد انه مجرد شخصية حزبية تشارك في المؤتمر وليس ابن رئيس الجمهورية الذي تطارده شائعات التوريث.
ولاشك ان مظهره بدا مختلفاً عن لقاءاته الحزبية والتليفزيونية الاخيرة التي اجراها مع برنامجي «وجهة نظر» و«حالة حوار» خلال الشهر الماضي ولكن المظهر الشبابي علي اهميته لايغني ولاينافس الجوهر السياسي والاجتماعي للرسالة التي تصل للرأي العام من خلال كلام جمال مبارك وبهذا المعني فقد اهدر جمال مبارك فرصة بل فرصاً ذهبية لرفع شعبيته بين الكبار والصغار علي حد سواء.اضاع جمال علي نفسه وعلي مجموعته فرصة مهمة لاثبات ان مجموعة الحرس الجديد قادرة علي التقاط حس الرأي العام وانها تشعر به وتتفاعل معه وتعبر عنه سواء في القضايا المحلية وخاصة الاقتصادية او في الملف الخارجي وعلاقة مصر بامريكا وهو ملف شائك وموضع اتهام دائم للحزب وحكومته.
اول فرصة واهم فرصة اضاعها جمال كانت في اصرار جمال مبارك علي الرد بتحفظ شديد وبدون ادانة صريحة ولا اقول اهانة علي الاهانة التي وجهها الرئيس الامريكي بوش للعرب وعلي رأسهم الانظمة العربية الحاكمة ومن بينها النظام المصري. الاهانة لم تكن في حديث بوش عن الحكومات العربية القمعية وسجناء الضمير ولكن «جليطة» الرئيس الامريكي تجلت في عبارات الغزل الصريح في اسرائيل علي ارض مصرية والسخرية المهينة في خطابه حينما تحدث عن مستقبل المنطقة حين قال ان اسرائيل ستحتفل بعيد تأسيسها الـ120 (أي بعد 60 سنة) وهي اقوي الديمقراطيات في المنطقة.. لم يلتقط جمال ومستشاروه الجملة الكنز التي اهداها لهم بوش علي طبق من فضة لم يفكر جمال ومجموعته في اتخاذ هذه الجملة مدخلا للهجوم علي بوش ولكن جمال رغم قميصه الجينز و«نيو لوك» السياسي الشاب فضل ان يرد علي بوش بمنطق رئاسي وبحسابات تصلح مع رئيس حكومة او علي الاقل وزير خارجية.
في حواراته مع التليفزيون المصري اكتفي جمال مبارك بالقول بانه لم يندهش من تصريحات وكلام بوش لانه كلام معاد ويكرر منذ فترة. وفي برنامج «اتكلم» سألته الاعلامية لميس الحديدي عن شعوره كمواطن تجاه ماقاله بوش. وتجاهل جمال حكاية المواطن وقال انه سياسي وكأن السياسي يجب ان يكون من طينة اخري. وكان رد جمال غاية في الفتور ولايناسب احساس الغضب الذي يفترض ان جمال شعر به كمواطن وقيادي بالحزب الحاكم ونجل الرئيس.واعتقد ان الصفة الاخيرة تغلبت علي اجابته ولم يدرك السياسي جمال مبارك ان واجبه كان يحتم عليه ان يرد بقوة وعنف علي كلام بوش. لم يستوعب جمال تجربة عمرو موسي الذي اكتسب شعبية كاسحة كوزير خارجية مصر من قوة ردوده وحرصه علي الحفاظ علي هيبة وكرامة المصريين، ربما ادرك جمال مبارك خطأه عندما دوت قاعة المؤتمر بالتصفيق الحاد لوزير الخارجية احمد ابوالغيط اثر انتقاداته الحادة لكل من امريكا واسرائيل، ربما ادرك انه لم يتصرف كرجل حزبي فالحزب في كل دول العالم كيان مدني حتي ولو كان حزبا حاكما، ولذلك لدي الاحزاب حرية اوسع من الحكومات في التعليق والتعقيب والرد وطرح المبادرات، لم يخاطب جمال شباباً ومواطنين مصريين غضبوا بالفعل من حكاية المقارنة باسرائيل وبهذا الشكل المستفز. وكان بامكان السياسي جمال ان يغطي علي الملف السيئ لحقوق الانسان في مصر بقصة اسرائيل او انتهاكات حقوق الانسان في معتقل ابو غريب او جوانتانامو. وحتي انتقاد جمال لبوش جاء في نقطة ضعيفة جدا وتثير الدهشة وهي حكاية ان بوش لم يأت بجديد في القضية الفلسيطينية. واعتقد ان المواطن المتابع لحال امريكا يدرك بل يوقن ان بوش الراحل عن البيت الابيض لم يعد يملك نفوذاً كبيراً او قليلاً علي القضية الفلسطينية و غيرها من القضايا.. ولم تكن قصة الرد علي اهانات بوش هي الفرصة الوحيدة التي اضاعها جمال علي نفسه ومجموعته من الحرس الجديد ففي حواراته مع التليفزيون المصري كرر جمال خطأه في حواراته السابقة عندما راح يؤكد ان الاجراءات الاخيرة للحكومة لم ترفع الاسعار بشكل كبير ونسي جمال ان المشاهدين الجالسين أمام شاشة التليفزيون يعرفون من خلال التجربة اليومية ان كل الاسعار ارتفعت علي اثر الاجراءات الاخيرة.وهو ما يحيط كلامه بظلال من الشك.ولم يكن جمال موفقا في تبريره لرفع الاسعار قبل حصول المواطنين علي علاوة الـ30%.وقد قال جمال إنهم رفضوا الضحك علي المواطن. وقد تكررت هذه العبارة علي لسان أكثر من مسئول حكومي وحزبي مما يشي بحالة الانفصال بينهم وبين المواطنين. فبعد المعاناة المستمرة التي عاشها المواطن في ظل الارتفاع الجنوني لاسعار الطعام كان يجب علي الحكومة أن تمنحه فرصة لالتقاط الانفاس ومحاولة ترتيب احواله في ظل العلاوة الجديدة لعدة اشهر علي الاقل ثم تبدأ في رفع الاسعار عليه.
ولذلك فان جمال خسر فرصة ذهبية اخري ليشعر المواطن الفقير والمطحون بأن جمال مبارك ومجموعته يدركون مدي معاناتهم والاهم ان تصل اليهم رسالة قوية بأن فريق جمال مبارك في الحزب والحكومة يساندهم في الازمة الحالية والمستقبلية الخاصة بكارثة ارتفاع اسعار الطعام في العالم رسالة بقوة الرسالة التي وجهها جمال مبارك باكثر من معني وبشكل مباشر للمستثمرين ورجال الأعمال ليشعروا بالامان من جانب الحكومة والحزب فلاتراجع عن الاقتصاد الحر أو الاستسلام لدعاوي العودة للماضي.فبمجرد ان شعر بعض رجال الأعمال بالخوف من بعض اجراءات الحكومة سارع جمال في محو اي اثر للخوف. فيجب ألا ينام رجل أعمال وفي قلبه ذرة خوف اما الفقراء فعليهم ان يواجهوا الحقائق وان يدركوا ان ماحدث مجرد خطوة فقد كان جمال مبارك واضحا في هذه النقطة وقال ان هناك اجراءات اخري فالمسألة لم تقف عند الاجراءات الاخيرة.وذلك في اشارة واضحة ومباشرة الي تعديلات جديدة في نظام الدعم بصورته الحالية.
ولذلك بدأت مقالتي بان الاسبوع الماضي كان اسبوع الفرص الضائعة في حياة السياسي جمال مبارك، فعلي الرغم من مظهره الشبابي ورغم كثرة حواراته فقد بدا جمال مبارك أكثر بعدا عن الشباب والكبار من الفقراء ومحدودي الدخل.بدا بعيدا عن رغبتهم في رد قوي علي الإهانة التي وجهها بوش لكل العرب في بلدهم.بدا بعيدا رغم كثرة الحوارات التي لاتفيد جمال.فقد كان موجودا علي القناتين الاولي والثانية بالتليفزيون المصري في نفس اليوم بل وبفارق نصف ساعة.وهذه مغامرة اعلامية كبري لأي سياسي او حتي نجم محبوب ومدرب علي لقاء الجماهير.مغامرة تؤكد للجميع المعني الذي يريد جمال نفيه. والمعني الذي دفعه للظهور بالقميص الجينز وكارنيه المؤتمر معلق علي صدره. لقد اراد جمال ان يؤكد انه شاب مصري يمارس السياسة بعيدا عن كونه نجل الرئيس و لكن كان عليه ان يسأل نفسه كم سياسياً شاباً تتاح له فرصة الظهور في أهم برنامجين يعرضان يوم الاثنين في ماسبيرو لان اجابة هذا السؤال كانت ستوفر عليه ارتداء الكاجول والاستغناء عن البدلة فالمشكلة لم تكن في الجاكيت..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق