الاهالى : منهم من أغلق مصنعه، و منهم من أشهر إفلاسه، و من حبس، و من وقع علي كمبيالات و لا يستطيع سدادها، و من هرب خارج البلد، و منهم من أصبح كسمكة صغيرة تسبح ضد التيار في محاولة يائسة للهروب من الحيتان، إنهم أصحاب مصانع النسيج الصغيرة المكونة من ماكينتين أو يزيد قليلا، فبين إغراق لسوقهم بالبضائع الصينية، و غلاء لأسعار المواد الخام و الكهرباء و المياه، و حرمان من المميزات و الاعفاءات و منح الاستثمار التي تأتي من الخارج و التي تتمتع بها المدن الصناعية الجديدة، و بين احتكار كبار رجال الأعمال لصناعتهم التي حولوا أصحاب المصانع الصغيرة فيها إلي عمال يعملون عندهم بالمتر، يقف أصحاب مصانع النسيج "الأهلية" متسائلين .. هل ترعي الدولة مشروعا صناعيا حقا أم أنها ترعي فقط أفرادا صناعيين؟!!.
"وائل بصل"، صاحب مصنع نسيج، بالمحلة الكبري، قال لـ"الأهالي" "الصناعة أصبحت متخلفة و لا تواكب التكنولوجيا، كلنا نعمل بالماكينات القديمة و سوق العمل أصبح لا يستوعب خريجي المدارس المهنية، لا يوجد عندنا أي تطوير في الوقت الحالي لأن السوق لا يسمح بذلك، و بدلا من أن أزيد عدد عمالي أصبحت أنقص من عددهم، و من غير المعقول أن أشتري ماكينة بنصف مليون جنية أنافس بها المنتج الصيني"، فالصين في رأي "وائل بصل" "زي العفريت، كل يوم منتج جديد"!.
اغراق الأسواق
"العفريت الصيني" كما يقول "وائل بصل" "يغرق الأسواق في هذا المجال فيلجأ المواطن العادي لشراء المنتج الصيني، و لا يوجد تشجيع من الدولة مثلما يحدث في الصين، هناك الدولة تساعدهم و تدعمهم في الخامات و بالتالي يستطيعون تشكيل أي شئ تريده، هنا الدولة لا تهتم سوي بكبار رجال الأعمال، أما في الصين فيدعمون الصناعات الصغيرة كما يدعمون الكبيرة، و في الوقت الذي تولي فيه الدولة اهتماما للمناطق الصناعية الكبيرة فإنها تنسي المناطق الصناعية الأساسية و الأصلية مثل المحلة الكبري و شبرا الخيمة، المنطقة الصناعية في المحلة محرومة من جميع الخدمات لدرجة أنها أصبحت منطقة عشوائية، في الوقت الذي تحصل فيه مدينة العاشر من رمضان و 6 أكتوبر علي استثمارات كبيرة و اعفاءات، من المفترض أيضا أن يتم توزيع جزء من منح الاستثمار التي تأتي من الخارج علينا و لا تقتصر علي كبار رجال الأعمال".
و يضيف "وائل" "أسعار المواد الخام ارتفعت جدا، بالإضافة إلي تعريفة الكهرباء و المياه، و لا أستطيع إنتاج منتج غال بسبب قلة الأجور، و في نفس الوقت لن أستطيع أن أنافس به المنتج الصيني، أنا لم أجدد المصنع منذ سنوات، بل و أعمل بقوة عمل أقل لأن الظروف الاقتصادية أربكت ترتيبات كل الناس، من المفترض أن يكون هناك رعاية أسلوب مرن في التعامل، علي سبيل المثال يجب تخفيض الضرائب لأن الظروف الحالية غير ملائمة، وبرغم ذلك فإن الضرائب تنظر إلينا و تحاسبنا و كأننا نكسب ذهبا"!!.
مستقبل مظلم
البيروقراطية الحكومية لها نصيب أيضا في تدهور حال هذه الصناعة كما يؤكد "وائل بصل" "مجلس الوزراء يقوم بعمل أبحاث ميدانية عن الصناعة في المحلة، إلا أن من يأتون إلينا لا يفهمون الصناعة نفسها، و بالتالي تكون مهمتهم مجرد ملء خانات، لست سعيدا أن يأتي لي أحد يأخذ بيانات و لا يعرف الوضع علي الطبيعة، لابد أن يكون من يقوم بهذه الأبحاث علي دراية بهذا المجال".
و عن مستقبل صناعة النسيج في مصر كما يراه يقول "وائل" "مستقبل صناعة النسيج سييء جدا، المستقبل مظلم بدون أي مبالغة، الآن نستورد غزولا من سوريا، و السؤال هو كيف طور السوريون صناعتهم في هذا المجال في ظل حصارهم، مع العلم أن مهندسيهم و أساتذتهم من جريجي جامعة القاهرة و عين شمس، طوروا زراعة القطن لدرجة أن مصر التي كانت تشتهر دوما بقطنها أصبحت تعتمد عليهم"!!.
"أصحاب المصانع اشتروا الماكينات الموجودة حاليا منذ حوالي 5 أو 6 سنوات، و بالتالي أصبح سعرها الآن لا يزيد علي 50% من سعرها الأساسي"، كما يقول "نبيل شعلان" صاحب مصنع نسيج، و الذي أضاف "لا يستطيع أحد شراء أي ماكينات جديدة بسبب غلاء الأسعار و كساد السوق، من يوم أحداث المحلة لا يوجد بيع و لا شراء، و مضطرون لدفع أجور العمال كل أسبوع، و لا نستطيع أن نوقف المصنع، أوضاعنا أصبحت خرابا .. نظل بالأسبوع لا نبيع و لا حتي قطعة واحدة".
و عن احتكار كبار رجال الأعمال لصناعتهم يقول "مصطفي عبد الجليل حسين"، صاحب مصنع للملابس الجاهزة "المصانع الكبيرة تحتكر إنتاجنا و تشتريه بنفس السعر و تصدره إلي أوربا و أمريكا و تأخذ الربح كله"، مؤكدا أن "نسبة 99.9% من المصانع الصغيرة في المحلة أو كلها تعمل لحساب المصانع الكبيرة بسبب عدم قدرتها علي التسويق"، و إلي هنا لم تنته المشكلة و إنما تزداد تعقيدا عندما يذكر "مصطفي عبد الجليل" أن "مصنعية المتر الواحد لصاحب الماكينة كانت منذ عام واحد فقط 1.25 قرش، أما اليوم فقد أصبحت 65 قرشا فقط"!!.
اختلاق الأزمة
و إذا كان "مصطفي عبد الجليل" قد تحدث عن "المصنعية" التي يتقاضاها صاحب المصنع علي إنتاجه بطريقة طبيعية تماما، إلا أن كلامه أشار إلي أن شيئا غير طبيعي بالمرة يحدث، و هو أن أصحاب المصانع الصغيرة في المحلة كلهم أصبحوا عمالا لدي القلة التي تحتكر هذه الصناعة في المدينة!!، فـ"صناعة النسيج يسيطر عليها في المحلة حوالي 10 أشخاص فقط"، كما يقول "مصطفي عبد الجليل"!!.
احتكار صناعة النسيج ليس الاحتكار الوحيد الذي تعاني منه مصانع النسيج الصغيرة، فهناك احتكار آخر تتأثر به هذه الصناعة هو احتكار الغزول، يقول "مصطفي عبد الجليل" "هناك مجموعة تحتكر صناعة الغزول في مصر، و هي التي تتحكم في سعره، التجار الكبار هم الذين يختلقون الأزمة، حيث يخزنون الغزول في مخازنهم ليرفعوا سعرها"، و عن أنواع الغزول التي يرتفع سعرها و أسعارها يقول "الغزل البوليستر يكاد يكون ثابتا أما القطن فهو الذي ترتفع أسعاره، حتي عندما نشتريه من شركات مصرية يكون غاليا، و ذلك رغم أنها لا تدفع جمارك و لا أي شيء، حتي النقل نحن الذين نتكفل به، و مع ذلك يرتفع سعره!!، طن الغزل كان بـ 12 ألف جنيه من حوالي شهر واحد فقط أو أقل، و حاليا وصل سعر الطن إلي حوالي 16 ألف جنيه، و هناك أنواع وصلت سعرها إلي أكثر من ذلك".
القدرة الشرائية
احتكار كبار رجال الأعمال لصناعة النسيج، بالإضافة إلي احتكار الغزول يترتب عليه في النهاية كما يقول "مصطفي عبد الجليل حسين" "ارتفاع سعر القماش و عليه ترتفع أسعار الملابس، و هو الأمر الذي يتسبب في عدم وجود حركة بيع و شراء، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن، فنضطر لبيع الطقم حتي لو كان بنفس سعر تكلفته، و ذلك علي الأقل لنتمكن من دفع الضرائب و التأمينات و غيرهما من المتطلبات الأخري مثل الكهرباء التي أصبح سعر الكيلو بـ 23 قرشا بدلا من 19 قرشا كما كان منذ 3 شهور فقط، فالحكومة لا تعاملنا و لا تقدم لنا تسهيلات مثل المصانع الجديدة".
مشكلة أخري تواجه أصحاب هذه المصانع، هي أن "تراخيص المصانع أصبحت معقدة جدا، و هو الأمر الذي يجبر العديد من المصانع علي العمل بشكل غير رسمي، و بالتالي لا يستطيعون التأمين علي عمالهم، و يقعون فريسة للعديد من الموظفين المرتشين الذين يقبضون ثمن سكوتهم، و من هذه الشروط أن يكون ارتفاع السقف 4 أمتار، و هو الأمر الذي لا يتوفر للعديد من أصحاب المصانع الذين يستأجرون المكان"، كما يقول "مصطفي عبد الجليل".
مشكلة أخري تواجه هذه الصناعة و خاصة المبتدئين فيها و هي عدم تخصيص أماكن لإقامة المصانع"، يقول "كرم علي" "من المهم أن يتم تخصيص أماكن لإقامة مثل هذه الصناعة، هذا المكان فيه ماكينتان و إيجاره 2000 جنيه شهريا، و لم ألجأ إليه سوي لأنني لم أجد مكانا آخر أرخص منه، لا نستطيع أن نبني مصانعنا خارج المدينة، لأنهم يقولون إن الأرض زراعية، و بالتالي لا يوجد أمامنا سوي هذه المناطق السكنية الغالية".
احتكار الصناعة تحدث عنه "كرم" قائلا "المصانع الصغيرة تعمل لصالح المصانع الكبيرة، و من يمسك زمام الأمور هم الكبار، هم الذين يستطيعون تصدير إنتاجهم للخارج، و استيراد خاماتهم من الخارج أيضا، يمولونني بالغزل و أنا علي الماكينة و العمل، و هو الذي يحدد الشيئ الذي سأنتجه، و يعطيني مصنعية"، "كرم" أكد أن هذه الطريقة لا تربحه سوي الفتات "مجرد اتفاق دون أي عقود، و الضرائب تحاسبني علي أساس أن الانتاج كله ربحه لي، و بالتالي يكون هامش الربح قليلا جدا"!، و أشار "كرم" في حديثه لـ"الأهالي" أن الاحتكار لا يمارسه أصحاب المصانع الكبيرة فحسب، و إنما أيضا كبار التجار "هناك بعض التجار يتحكمون في المصانع أيضا حيث يعطون لهم الغزل و يطلبون منهم أشياء محددة و صاحب المصنع يعمل عندهم أيضا بالمصنعية"!!.
الدولة في نظر "كرم" هي المتسببة في تدهور هذه الصناعة "الأعباء المالية تعوق هذه الصناعات الصغيرة علي تطوير الميكنة و تشغيل عمالة أكبر، بالإضافة إلي أن الإيجار غال و المرتبات غالية و الأسعار غالية و كل هذا يضاف علي سعر المنتج، و الدولة هي المتسببة لأنها ترفع أسعار كل شيئ، من المفترض أن توقف الدولة أو علي الأقل تضع ضوابط مشددة علي الاستيراد من الخارج".
المواد الخام
"بدأت بـ 300 ألف جنيه، و حاليا أقول لله يا محسنين"، هكذا بدأ "سعيد الكوش"، صاحب مصنع نسيج حديثه إلينا، مؤكدا لنا بلغة الأرقام أن الدافع الذي قد يكون وحيدا الآن لعمل هذه المصانع هو الخوف من الحبس بسبب الديون!!، فقال "سعر متر القماش كان بـ 4.60 قرش بهامش ربح 10 قروش في المتر، حاليا و بسبب ازدياد أسعار الغزول زاد علي قطعة القماش مبلغ 3 جنيهات، بواقع 60 قرشا لكل متر، و بالتالي أصبح من المفترض أن يباع المتر علي الأقل بمبلغ 5.40 قرش، إلا أنه و برغم ذلك يباع حاليا بـ 4.75 قرش، بخسارة تصل إلي 65 قرشا في المتر الواحد و أضف إلي هذه الخسارة سعر الكهرباء و الضرائب و ضرائب المبيعات و التأمينات!!، و مع ذلك فإننا مضطرون للعمل و إلا سيكون الجزاء الحبس بسبب الديون".
"الكوش" أكد أن الظروف الصعبة التي تمر بها مصانع النسيج الصغيرة كانت سببا في أن تعمل معظم المصانع بثلث قوة عملها و أن يفقد العامل ثلث مرتبه الشهري "المصانع الأهلية كل مصنع يعمل 3 ورديات و الوردية بها 3 عمال علي الأقل و 40 عاملا علي الأكثر، و حتي لا نزيد الخسارة فإن المصانع أصبحت تعمل ورديتين بدلا من 3، و بالتالي خفضنا ثلث قوة العمل للمصنع، بالإضافة إلي أن العامل فقد ثلث مرتبه الشهري لأنه أصبح يعمل بالتبادل مع زملائه الذين كانوا يعملون في الوردية الثالثة"!.
"الكوش" لم يطالب بدعم أي من المواد الخام الداخلة في الصناعات النسجية، و إنما طالب الدولة بأن تمنحه فقط حق المنافسة مع المنتج الصيني "لا نطلب دعما علي مادة، و لكن من المفترض أن يتم تخفيض قيمة الجمارك علي المواد المستوردة بغرض التصنيع، و ذلك حتي تمنحني الدولة حق المنافسة مع المنتج المستورد، فعندما يتم استيراد الغزول بأسعار مرتفعة فإن فكرة المنافسة التي من المفترض أن أتميز بها كمنتج وطني قد انعدمت، الدولة رفعت التعريفة الجمركية علي منتجات الغزل و النسيج المستوردة، إلا أنها في نفس الوقت رفعت التعريفة الجمركية علي الغزول و هو ما يعني أنه لم يحدث أي شيء"!.
كساد مصانع النسيج لا يتأثر به أصحابها فقط كما يقول "سعيد الكوش"، و إنما هناك العديد من الأعمال القائمة عليها تتأثر هي الأخري، فإلي جانب تأثر أسر عمال هذه الصناعة فإن هناك أيضا حوالي 1000 سيارة تعمل علي إنتاج عمل هذه المصانع و مثلهما من عربات الكارو، بالإضافة إلي المصابغ و المباوش و مشاغل التطريز، الحلقة مفرغة الكل يدور فيها و من يأتي عليه الدور يقع!!، نحن و لو حتي كنا أصحاب مصانع نسيج فإننا الرعاع الذين يعملون عندهم بسبب الاحتكار"!!.
قطاع النسيج الذي لايزال البعض مستمرا في مسلسل تدميره يعد أكبر قطاع صناعي في مصر، حيث يساهم بنسبة 30.7% من إجمالي ناتج قطاع الصناعة، وتمثل اليد العاملة فيه حوالي 30% من حجم القوي العاملة في مصر، و 45% من حجم اليد العاملة في القطاع الصناعي، و قد بدأت صناعة النسيج المصرية تعاني من المشاكل منذ عام 1994 عقب إعلان الحكومة المصرية تحرير تجارة القطن، فوصلت الزيادة في سعر قنطار القطن المزروع محليا إلي 125 جنيها فوق السعر الأصلي للقنطار عقب إعلان الحكومة لقرارها مباشرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق